المصدر: خاص موقع بيروت الحرة
بعد مرور عام تقريباً على تجربة معظم دول العالم لنظام التعليم عن بعد كوسيلة لمتابعة التلامذة دروسهم إثر تفشي
فايروس كورونا المستجد العام المنصرم، كان لبنان حالة استثنائية مختلفة كعادته وتشوبها معوقات كبيرة ، حيث يُعدّ
التعليم عن بعد في هذا البلد حصراً تحدياً يومياً يعيشه الأهل والطلاب والمدرسون على حدّ سواء و باتت هذه
المعضلة الشغل الشاغل فشكّلت لهم هواجساً و ضغوطاً نفسية و جسدية مقلقة من كابوس الأونلاين.
فبين انقطاع الكهرباء في لبنان و تحكّم مافيات المولّدات و شبكة الإنترنت المهترئة و بين الوضع الاقتصادي المنهار و المنهاج التعليمي البالي يقع التلميذ اللبناني ضحية المنظومة التعليمية العاجزة عن تأمين أي بدائل فيعيش في مخاض عسير بين استكمال علمه و عدمه.
فالانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي وبطء الإنترنت، قد شكلا عائقاً و حرما الطلاب من متابعة دروسهم عبر الهواتف الذكية أو الحاسوب الذي يتطلب كهرباء سواء كان ثابتاً أم متنقلاً، فبدون كهرباء لن يتمكن الطالب من الوصول إلى الإنترنت الذي يمكنه من التواصل مع أستاذه الذي يعاني هو الآخر، فبسبب ضعف الشبكة العنكبوتية حين يتابع التلميذ حصة تعليمية أونلاين مع صفّه فإنه على سبيل المثال قد يسمع خلالها بعض الكلمات ولا يسمع الكلمات الأخرى، فتصل الجمل متقطعة.
و من الصعوبات التي يواجهها الطلاب هي برامج المنصات الإلكترونية التي تلقي بثقلها على الأهل أيضاً، إذ يعانون
عدة ضغوطات جراء مواكبتهم لأولادهم أثناء هذه العملية التي لم تسلم منها الأساتذة أيضاً فمعظم المدرسين
والمدرسات ليس لديهم المهارات الأساسية لاستخدام الإنترنت وتطبيقاته حيث ليسوا جميعاً مواكبين للتطور و
التكنولوجيا الحديثة فوجدوا صعوبة بالغة في التكيف مع التطبيقات المعقدة المستخدمة من قبل المدرسة في تعليم
تلامذتهم الذين توقفوا عن متابعة بعض المواد في حين وجدوا أنفسهم فجأة في ظرف يملي عليهم استخدام هذه
التطبيقات للتواصل مع تلاميذهم عبرها، فقد أهملت الدولة اللبنانية و المدارس على حد سواء على مدى سنوات
برامج تطوير المدرسين وتعليمهم مهارات تقنية لمواكبة العصر.
أما الوضع الإقتصادي الذي وقع كالصاعقة على جميع اللبنانيين فمع ارتفاع سعر صرف الدولار المستمر و تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين و تراجع قدرتهم الشرائية ، لم يعد معظم اللبنانيين قادرين على تأمين المستلزمات التقنيّة اللازمة و شراء أكثر من هاتف محمول أو حاسوب أو تابلت لجميع أبنائهم، فمن يملك عائلة كبيرة و لا يملك الإمكانيات الماديّة و التعليميّة لمساعدة أولاده للانتقال للتعليم الافتراضي فهو مجبر إما على تقسيم وقت الهاتف الواحد على كل أولاده و التناوب في استخدامها وإعاقة الدراسة إما حرمان أحدهم أو جميعهم من متابعة دروسهم إسوةً بغيرهم من التلاميذ.
ناهيك عن وضع الطلاب النفسي و الضغط الذي يرهقهم، فقد بات الأونلاين حجر عثرة في طريقهم نحو التعليم حيث باتوا يومياً يتابعون دروسهم مباشرة مع الأساتذة ليعودوا و يكملوا يومهم عبر تحصيل ما فاتهم.
أثناء انقطاع التيار الكهربائي أو الإنترنت، ثم يعاودوا نقل دروسهم و حل واجباتهم و حفظها و درسها في حلقة مفرغة
دون أن التقاط أنفاسهم.
أما على صعيد المناهج اللبنانية التي في المدارس و التي قد تعدى عمرها ٢٢ عاماً و تعاني من تصدّع كامل حيث لا
تتماشى مع التطور الرقمي و لا تتكيف معه، حيث لا تتناسب مع التعليم الرقمي في هذه الأزمة.
رغم كل تلك العوامل ما زالت الدولة و وزارة التربية تحمّل الطلاب و الأهل و الأساتذة طاقة تفوق قدراتهم المادية
والعلميّة وتفرض عليهم خطّة تعليم غير شاملة اجتماعياً واقتصادياً و مهنياً ، ولكن إلى متى سيبقى الطالب ضحية
تلك المنظومة التعليمية؟ و ما مستقبل هذا النظام التعليمي في ظل تفشي فايروس كورونا المستجد ؟ و ما هي الخطط
البديلة التي ستضعها الدولة لتنصف الطلاب لإكمال علمهم؟