المصدر: لبنان 24
في عزّ “الجمود” الحكوميّ المسيطر منذ أشهر، عاد “التشويق” ليتصدّر المشهد اللبنانيّ، حتى بات المواطنون يستيقظون كلّ يوم على “فضيحة” جديدة تكاد تُنسيهم سابقتها، وإن كانت تتقاطع معها عند تثبيت “فساد” طاقم سياسيّ لا يبدو أنّه جاهز لأيّ تغيير في الأداء والمقاربة، ولو في الشكل، ومن باب رفع العتب.
ففيما كانت قضية تنحية المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت لا تزال تتفاعل سياسيًا وشعبيًا، وسط غضب شعبي واسع من سلطة لا تكترث لحقيقة جريمة غير مسبوقة، ولا تلهث سوى خلف حماية وتحصين نفسها، جاء خبر “تلقيح” عدد من النواب في البرلمان اللبناني، بعيدًا عن الأصول المتَّبَعة، وفي مبنى البرلمان، لا مراكز التلقيح، ليزيد الطين بلّة.
ولعلّ ما أثار “غيظ” كثيرين، بموجب هذه “الفضيحة”، لم يكن فقط في “تلقيح” النواب قبل عامة الناس، وبعضهم قد يكون من المستحقّين أصلاً، وممّن تنطبق عليه شروط “الأولويات”، بقدر ما كان “الوقاحة” في تبرير الفِعل “المهين”، الذي تناولته الصحف العالميّة سلبًا، ويكاد يتسبّب بحرمان لبنانيّين كثر من اللقاح، بعد تلويح البنك الدولي بوقف الدعم.
“في أولوية أكثر”؟!
لا يُلام “ممثلو الشعب” ربما، أو بعضهم على الأقلّ، إن تلقّوا اللقاح، إذا ما كان صحيحًا أنّهم سجّلوا أسماءهم على المنصّة الرسمية، شأنهم شأن سائر اللبنانيّين، وتلقّوا اتصالاً يبلغهم بأنّ “دورهم حان”، وإن كانوا يُلامون على الموافقة على “تجاوز” كلّ الأصول، و”تمييز” أنفسهم بالحصول على خدمة “دليفري” للقاح، لا تتوافر لأحد سواهم.
لكنّهم يُلامون وأكثر على طريقة “الفوقيّة” التي تعاطى فيها بعضهم مع تسريب خبر تلقّيهم اللقاح، بعيدًا عن كلّ الأصول، واختيارهم “المواجهة” بأسلوبٍ أقلّ ما يقال فيه إنّه “استفزازيّ” لشريحة واسعة من اللبنانيين، ولا سيما أولئك المُسِنّين والمرضى المستحقّين الذين صدّقوا “أسطورة” الشفافية، وينتظرون كمواطنين صالحين “الفرج” عبر اتصالٍ رسميّ، من دون الحاجة إلى محسوبيّات من هنا وهناك.
فأن يخرج أحد النواب ليبرّر حصوله على اللقاح قبل غيره، بالقول إنّه “لبنانيّ أكثر من غيره” لأمرٌ يكاد يكون مقزّزًا، أيًا كانت “الخلفيّات” التي انطلق منها هذا النائب، ومهما كانت “نواياه” الحقيقيّة من مثل هذا التصريح الذي أراده “دفاعيًا” فأتى “هجوميًّا”. وأن يخرج آخر ليسأل، بكلّ براءة، إن كان هناك “أولوية أكثر من النواب”، مستندًا إلى وفاة نائبين وإصابة 25، لأمرٌ أكثر “استفزازًا”، في بلدٍ يسجّل يوميًا عشرات حالات الوفاة، ومئات الإصابات.
ماذا بعد؟
يراهن البعض على أنّ “الضجّة” التي خلّفتها “فضيحة” لقاحات النواب آنيّة، وهي ستمرّ خلال فترة وجيزة، انطلاقًا من التجربة، التي أثبتت أنّ “فضائح” أكبر وأكثر وقعًا مرّت من دون مساءلة أو محاسبة، علمًا أنّ البعض حاول أصلاً البناء على هذه الفرضية، بتبنّي نظرية “شو وقفت على هيدي”، التي اعتمدها اللبنانيّون في كلّ ملفاتهم على قاعدة “ستة وستة مكرّر”، فأوصلوا أنفسهم إلى الهاوية.
قد يكون مثل هذا “الرهان” صحيحًا، ولو أنّه لا يبرّر أسلوب “الاستقواء” الذي اعتمده بعض النواب، إلا أنّه قد لا يكون شديد الدقّة، ولو أنّ المعنيّين يعتقدون أنّهم تجاوزوا “المطبّ الأول”، بعد تراجع رئيس اللجنة الوطنية لإدارة لقاح “كورونا” عبد الرحمن البزري عن إعلان استقالته نزولاً عند رغبة أعضاء اللجنة، وتفاديًا لإفشال الخطة المرسومة، فيما كان أكثر من لافت “الصمت المطبق” الذي لم تكسره وزارة الصحة، رغم تحميلها المسؤولية المباشرة عمّا حصل، بخلاف تصريحات الوزير حمد حسن المتكرّرة عن الشفافيّة.
ولعلّ ما يعزّز الاعتقاد بأنّ القضية لن تقف عند هذه الحدود يتمثّل بردود الفعل التي أحدثتها “الفضيحة” بدءًا من التناول “السلبي” لها عبر وسائل الإعلام العالميّة، وفي صدارتها صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، وصولاً إلى تلويح البنك الدولي بوقف تمويل حملة اللقاحات، إذا ثبُت حصول أيّ تجاوز، ومثل هذا التهديد لا يمكن أن يكون “في الهواء”، خصوصًا أنّ المَخاوف من “استغلال النفوذ” كانت قد أحاطت بالحملة منذ اليوم الأول.
لم يَبدُ خبر حصول النواب على اللقاح قبل عامة الناس مفاجئًا لمعظم اللبنانيّين. باختصار، ما حصل كان متوقَّعًا. فالبلد بلد “واسطة”، وهناك الكثير من الأخبار عن “محسوبيات” تتدخل في تصنيف المستحقين، وتحديد الأولويات. لكنّ المؤسف أن يكون هؤلاء اللبنانيون، غير المتفاجئين، على يقين في المقابل، بأنّ القصة ستمرّ، وكأنّها لم تكن!