المصدر: الجمهورية
كتب أنطوان فرح في “الجمهورية”: “ما هو مؤكّد انّ الليرة ستواصل مسارها الانحداري، ولو انها مرةً تنهار بسرعة، وأحيانا ببطء، واحيانا قد تعود وترتفع. هذا الامر بديهي، والخط البياني للانهيار لا يمكن ان يكون إلا متدرجاً (up & down).
وفي مراجعة شهرية للمسار الذي سلكه سعر صرف الدولار في 2020، يُلاحظ ان الخط البياني لارتفاع الدولار لا يرتبط عضويا بالتطورات السياسية والاقليمية ذات الصلة بلبنان.
في المحصلة، يُلاحظ ان معدل نسبة ارتفاع الدولار شهريا بلغت حوالى 25%. ويتبيّن ان الدولار ارتفع في شباط 2021 من 8800 الى 9600 بزيادة 10%، وهي نسبة لا تصل الى معدل ارتفاعاته الشهرية في 2020.
وبالتالي، اذا ارتفع في آذار بنسبة 25%، أي وفق معدل ارتفاعه الشهري في العام الماضي، فإنه سيصل في نهاية الشهر الى 12 الف ليرة”.
كلما ارتفع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، تنطلق التحليلات المعمّقة لاستكشاف الاسباب، وتواكبها أصوات مسؤولين يطالبون أو يعِدون بإجراءات جذرية لوقف انهيار العملة الوطنية. لكن الدولار يعاند ما يُسمّى اجراءات، ويُكذّب التحليلات المُموّهة.
ما يصيبنا في موضوع استمرار انهيار سعر صرف الليرة في السوق السوداء، وهي السوق الحرة الوحيدة حالياً، شبيه بما أصابنا في موضوع الافلاس وضياع الاموال في المصارف. صرفنا طوال 20 عاما عبر الاقتراض دورياً من المصارف، ومصرف لبنان لسد العجز في الموازنة. هدرنا حوالى 35 مليار دولار على دعم الكهرباء. دفعنا تعويضات ورواتب تقاعدية أذهلت المؤسسات الدولية وبينها البنك الدولي، وأدهشت شركة «ماكنزي» عندما اطّلعت على الأرقام لإعداد برنامج اقتصادي للبلد. رفعنا الرواتب بنسبة 100%، وبسعر ليرة مدعومة بالدولار من اموال المودعين (سلسلة الرتب والرواتب) في زمن كنّا قد اقترضنا فيه بصورة طارئة بفوائد خيالية (الهندسات المالية). وبعد كل ذلك، رحنا نسأل، وبجدّية، أين ذهبت الاموال؟ نريد أن نعرف.
الأمر نفسه يحصل معنا اليوم، والمقصود بـ«نحن» هنا، المنظومة السياسية برمتها. أعلنت تعليق دفع مستحقات اليوروبوندز في 7 آذار 2020 (نحتفل اليوم بذكرى مرور سنة وشهر)، من دون خطة جاهزة للانقاذ. هُدرت أموال مصرف لبنان، حتى نضبت ولم يبق سوى الاحتياطي الالزامي. تُرك الاقتصاد لمصيره، أقفلت المؤسسات وهي مستمرة في الاقفال تباعاً، ارتفعت نسب البطالة والفقر الى مستويات مرعبة، انكمش حجم الاقتصاد (GDP) الى مستويات غير مسبوقة تقريبا في أي دولة في العالم. واصلت الدولة الانفاق من جهة، والدعم العشوائي من جهة أخرى. وفي موازاة الانفاق من الاحتياطي بالعملات، كان يتمّ الانفاق بالليرة بواسطة الطباعة. وارتفعت الكتلة النقدية بالليرة منذ 2019 حتى 2020، من 9818 مليار ليرة، الى 29244 مليار ليرة، أي بزيادة نسبتها 300%، وهي بالمناسبة النسبة نفسها التي سجّلها ارتفاع الدولار على الليرة خلال العام 2020.
في المقابل، تعثّر تأليف الحكومة، وبدا الأفق السياسي مسدوداً بالكامل… وبعد كل ذلك، وكلما ارتفع الدولار الى سقف جديد، يصابون بالذهول، ويسألون: ماذا يجري؟ ويسارعون الى اتخاذ اجراءات أصبحت وصفة دائمة ومُكرّرة ومُملة: اقبضوا على الصرافين، أقفلوا منصات التسعير، أطلبوا من مصرف لبنان اتخاذ الاجراءات اللازمة لوقف تدهور الليرة. وفي الموازاة، يجتهد الفقهاء والسياسيون أصحاب المصلحة في التحليل المؤامراتي لشرح اسباب ارتفاع الدولار. هذا يعتبر انّ الحريري يضغط على عون، وذاك يرى العكس ويشيّع أنّ فريق عون يضغط على الحريري لإخراجه،
وآخر يشم رائحة مؤامرة يحوكها «حزب الله» لإسقاط البلد،
والبعض يوجّه أصابع الاتهام الى الولايات المتحدة التي تريد برأيه تركيع «حزب الله»
وايران من خلال دولار لبنان، وتطول التحليلات الى حدود اللامنطق واللامعقول…
السؤال الوحيد الذي يمكن طرحه في الوضع الحالي: كيف يمكن أن نُفاجأ عندما يرتفع سعر صرف الدولار،
في حين ان الامر الوحيد الذي يُفترض أن يُشكّل مفاجأة
هو أن يبقى سعر صرف الدولار مستقراً لمدة طويلة نسبياً، عندها فقط ينبغي ان نُفاجأ وأن نحلّل وندرس ونبحث عن الأسباب.
ما هو مؤكّد انّ الليرة ستواصل مسارها الانحداري، ولو انها مرةً تنهار بسرعة،
وأحيانا ببطء، واحيانا قد تعود وترتفع. هذا الامر بديهي، والخط البياني للانهيار لا يمكن ان يكون إلا متدرجاً (up & down).
وفي مراجعة شهرية للمسار الذي سلكه سعر صرف الدولار في 2020،
يُلاحظ ان الخط البياني لارتفاع الدولار لا يرتبط عضويا بالتطورات السياسية والاقليمية ذات الصلة بلبنان.
ومن خلال مراقبة سعر الدولار شهرياً في 2020، يتبيّن التالي:
كانون الثاني: افتتح الدولار على 2100 ليرة، وفي نهاية الشهر وصل الى 2150،
أي بزيادة حوالى 2%. مع ان كانون الثاني شهد تطورات مُقلقة للبنان،
أهمها اغتيال قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني، في المقابل، كانت حكومة حسان دياب قد ولدت وتستعد لنيل الثقة.
شباط: وصل الدولار في نهايته الى 2450 ليرة، اي بارتفاع نسبته حوالى 14%. في هذا الشهر حصلت الحكومة على الثقة.
آذار: ارتفع الدولار الى 2750 ليرة، بزيادة نسبتها 12%. في 7 آذار، أعلنت الحكومة تعليق دفع اليوروبوندز.
نيسان: ارتفع الدولار الى 3800 ليرة، بزيادة نسبتها حوالى 38%.
في هذا الشهر اقترحت لازار اقتطاع نسبة 61% من الودائع فوق الـ100 الف دولار،
وحماية بقية الودائع. وقدّرت الخسائر (الفجوة) بـ 62 مليار دولار بالاضافة الى حذف رساميل المصارف (20 مليار دولار).
ايار: ارتفع الدولار الى 4100 ليرة، بزيادة 8%. وكانت الحكومة قد أعلنت خطتها وبدأ النقاش فيها.
حزيران: ارتفع الدولار الى 9200، بزيادة نسبتها 125%.
هذا الارتفاع غير المسبوق لم تقابله تطورات سلبية تبرّره. جرى في هذا الشهر، حوار وطني في بعبدا، واستمر التفاوض مع صندوق النقد.
تموز: تراجع الدولار الى 7650 ليرة، بانخفاض نسبته 22%.
ومن المفارقات انّ شهر تموز شهد تطورات سلبية من ضمنها تجميد المفاوضات مع صندوق النقد.
آب: ارتفع الدولار الى 7650 بزيادة نسبتها 1,3%. في الرابع من هذا الشهر حصل انفجار مرفأ بيروت، واستقالت حكومة دياب.
ايلول: ارتفع الدولار الى 8350 ليرة. بزيادة نسبتها 8%.
جرى تكليف مصطفى اديب تشكيل الحكومة، وفُرضت عقوبات اميركية على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس.
تشرين 1: تراجع الدولار الى 6800، بانخفاض 22%.
في اواخر هذا الشهر، جرى تكليف الحريري تشكيل الحكومة. كما بدأت مفاوضات ترسيم الحدود البحرية.
تشرين 2: ارتفع الدولار الى 8000 ليرة. بزيادة نسبتها 18%.
سُجل اقرار قانون رفع السرية المصرفية لإنجاز التدقيق الجنائي. وفُرضت عقوبات أميركية على جبران باسيل وفق قانون ماغنتسكي.
كانون 1: ارتفع الدولار الى 8400 ليرة، بزيادة 5%. فُتح البلد في الاعياد، واستقبل أعداداً من اللبنانيين العائدين لتمضية العطلة.
في المحصلة، يُلاحظ ان معدل نسبة ارتفاع الدولار شهريا بلغت حوالى 25%.
ويتبيّن ان الدولار ارتفع في شباط 2021 من 8800 الى 9600 بزيادة 10%، وهي نسبة لا تصل الى معدل ارتفاعاته الشهرية في 2020.
وبالتالي، اذا ارتفع في آذار بنسبة 25%، أي وفق معدل ارتفاعه الشهري في العام الماضي،
فإنه سيصل في نهاية الشهر الى 12 الف ليرة. أين المفاجأة في ذلك؟
واذا لم يفعلها في آذار فقد يحققها في نيسان، ولا أحد يعرف متى يكرّر الدولار تجربة حزيران، ويرتفع 125% في شهر واحد.
كل المطلوب من المنظومة وقف مسرحيات الاندهاش والاستغراب والدهشة،
والتفرّغ الى معالجات حقيقية تتجاوز سقف اعتقال صراف أو إغلاق منصّة.