المصدر: ليبانون ديبايت
كتب بولس عيسى:
خرجت الناس إلى الشارع في كل أرجاء الوطن، ولكن الأساس هو هل ستخرج منه من دون أي نتيجة أم أنها ستتمكن من تحقيق إنجاز يضاف إلى الإنجازات التي حقّقتها سابقاً؟ هل سيكون إنجازها هذه المرّة أهمّ وأكبر؟ فهي تمكنّت من تغيير وجه الحكومات، باعتبار أنه ما قبل 17 تشرين كانت الحكومات من طبيعة سياسية بامتياز، وعُرفت بحكومات الوحدة الوطنية، إلا أن الناس نجحت بالرغم من موقف “حزب الله” والأكثريّة الحاكمة، الرافض كلياً لتغيير هذا النوع من الحكومات بفرض نوع جديد، وهو حكومات الإختصاصيين ولو كانوا من الحزبيين، غير المستقلين، الأمر الذي يُعَدّ نجاحاً جزئياً وتقدماً كبيراً ، خصوصاً أن الناس تمكنت من فرض نوع من الرقابة على أداء هذه السلطة.
أما بالنسبة للحركة اليوم في الشارع، فهل ستنتهي على غرار ما بدأت عليه، أم ستتمكن من تحقيق اختراق نوعي سياسي؟ وإذا كانت هذه هي الحال، ما هو هذا الإختراق؟ وما هو السقف السياسي الذي من الممكن أن تفرضه؟
تعتبر أوساط سياسية متابعة عن كثب لما هو حاصل في الشارع اليوم، أن هناك في الحقيقة ثلاثة سقوف سياسية متاحة أمام هذه الحركة:
-السقف الأول والأعلى، هو الذي طرحه غبطة أبينا البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، من خلال المؤتمر الدولي. فهل ستتمكن الناس من أن تربط النزاع مع هذا السقف وهذا الموقف وأن تتبنى هذا الطرح، بأن لا حل في لبنان من دون عقد مؤتمر دولي، وأن كل الحلول الأخرى الجزئية مرفوضة، فهي قد جُرّبت ولم تصل إلى أي نتيجة وقد حان الوقت لحل جذري نهائي، من أجل اختصار المعاناة للحؤول دون الخروج من فصل والدخول في فصل آخر من المعاناة؟ هل ستتمكن من ذلك؟ لا مؤشرات بأنه لغاية اللحظة، هذه القدرة موجودة، بالرغم من أنه إذا ما توافرت إرادة شعبية عارمة وتكتّلت الناس وتضافرت ووضعت هذا العنوان لتحرّكها، فهي بالتأكيد قادرة على فرض خيارها، إلا أن لا مؤشرات على أرض الواقع بأن هذا العنوان مطروح بقوّة.
-السقف الثاني، متوسط لناحية الإرتفاع وقادر على قلب الطاولة أيضاً، وهو في حال وضع الشعب المنتفض نِصب عينيه هدف الإنتخابات النيابية المبكرة، وقرّر المتظاهرون البقاء في الشارع إلى حين فرضها على البرلمان تقصير ولايته وتحديد موعد لانتخابات نيابية مبكرة. فهل سيتمكن المتظاهرون من ذلك؟ وهل سيضغطون في هذا الإتجاه؟ هل سيصمدون في الشارع إلى حين تحقيق هذا الهدف؟ أيضاً لغاية اللحظة ما من مؤشّر يفيد بأن الأمور ذاهبة في هذا الإتجاه، علماً بأن إعادة إنتاج السلطة تشكّل الحلّ الإنقاذي الوحيد الممكن في المرحلة الحالية، باعتبار أنه في ظل وجود هذه الأكثرية الحاكمة الحالية لا إمكانية لإخراج لبنان من أزمته.
-السقف الثالث والأدنى، هو الحكومة. فهل ما يحصل اليوم هو نتيجة وجود مايسترو واحد، ترك الناس تخرج إلى الشوارع وترك الدولار يرتفع، ليحلّق ما فوق عتبة العشرة آلاف ليرة، من أجل أن يضغط سياسياً ويسخّن الوضع مالياً وشعبياً للدفع باتجاه خلق الظروف المؤاتية لولادة الحكومة، والتي لم يستطع هذا المايسترو تأليفها على البارد ويريد الآن تشكيلها على الساخن؟ إن الأرجح لغاية اللحظة أن ما يحصل يندرج في هذا السياق، بحيث أن أعداد المتظاهرين لا يبدو إنها كافية، كما أنها لم تحمل في مختلف المناطق اللبنانية هدفاً موحّداً، وكل الخشية من أن يتمكن هذا المايسترو من دفع الأمور، نتيجة الضغط الذي يمارسه، إلى تشكيل الحكومة، وبالتالي، على هذه الخلفية، يتم تنفيس احتقان الناس، ويصار إلى منح فترة سماح داخلية وخارجية لهذه الحكومة، بالرغم من أن القاصي والداني يدرك تمام الإدراك أن أي حكومة جديدة لن تتمكّن من تغيير أي شيء في المشهد السياسي، بدليل طريقة ممارسة الأكثرية الحاكمة وطريقة إدارتها للبلاد في الفترة الأخيرة، حيث أننا على أبواب الخمسة أشهر على تكليف الرئيس الحريري، ولم يحرّك أحد ساكناً.
واعتبرت الأوساط، أنه من الواضح أن هذا المايسترو خائف من أمرين: الأول، هو استمرار التدهور المالي الذي من الممكن أن يؤدي إلى انفجار إجتماعي، الأمر الذي لا يريده في المرحلة الحالية، لأنه يريد الإبقاء على الوضع الراهن الذي يمسك فيه مفاصل السلطة والبلاد. والثاني، هو أنه يتجنّب الإنفجار ، باعتبار أن هذا الأخير سيؤدي إلى التدويل بشكل مباشر وتلقائي، بينما تشكيل الحكومة سيكون بمثابة شراء للوقت، ويبعد الخيار الدولي الذي سيمنح بدوره فرصة لهذه الحكومة عبر مجيء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان لتبدأ مساعي دعم لها بشكل أو بآخر.
وأوضحت أن المايسترو ذاته، يخشى كثيراً التدويل باعتبار أنه سيؤدي إلى فصل المسار اللبناني عن المسار الإيراني، الأمر الذي لا يريده أبداً لا بل يريد عكسه تماماً، وهو “وحدة المسار والمصير” مع طهران. وتساءلت عما إذا كنا فعلاً دخلنا في عملية التأليف؟ وهل يمكن للشعب المنتفض مواجهة هذا الأمر من أجل الدفع باتجاه واحد من السقفين الأولين، إما المؤتمر الدولي أو الإنتخابات النيابية المبكرة، باعتبار أن التشكيل سيشكّل فرصة ضائعة جديدة لنضاله السيادي والسياسي؟
وختمت الأوساط، لافتة إلى أن الأيام القليلة المقبلة، كفيلة بالإجابة على كل هذه التساؤلات، فالواضح أن الحركة التي نشهدها في الشارع تصاعدية، إلا أن السؤال المركزي يبقى: هو هل ستتوقف وتخرج من الشارع فور صدور بيان تأليف ما من مكان ما؟ أم أنها ستعلن رفضها لذلك الأمر، وتعلن أنها ليس بوارد الخروج من الشارع إلا بتحقيق هدف من إثنين ، يؤديان إلى قلب الطاولة بشكل حقيقي، ويدفعان بالوضع نحو حلول جذريّة وليست مؤقتة، وهما إما المؤتمر الدولي أو الإنتخابات النيابيّة المبكرة؟ لننتظر ونرى.