المصدر: الحرة
يشهد لبنان منذ الأسبوع الماضي، ارتفاعا قياسيا في سعر صرف الدولار، إذ تخطى عتبة الـ 10 آلاف ليرة للدولار، الأمر الذي أعاد تفجير موجة الاحتجاجات وقطع الطرقات في بلاد تعاني من أسوأ أزمة اقتصادية واجتماعية في تاريخها.
ومع وصول الدولار إلى هذه المستويات، بات اللبنانيون يترقبون العتبة الجديدة التي سيبلغها في المرحلة المقبلة، لاسيما وأن كل التحليلات الاقتصادية تنذر بالأسوأ القادم على هذا الصعيد، وعليه بدأت الأنظار تتجه إلى رقم الـ20 ألف ليرة وما بعده كسعر صرف مقبل للدولار الواحد، وبات اللبنانيون يستبقون الانهيار المقبل ويتحضرون له، في ظل انعدام أي حل سياسي أو اقتصادي في الأفق قد يلجم انهيار الليرة، فلا حكومة إنقاذ تشكلت ولا الإصلاحات المطلوبة انطلقت.
يرى الخبير الاقتصادي اللبناني، وليد أبو سليمان، أن السؤال الصحيح الذي يجب على الناس أن تعتاد طرحه هو “ما الذي سيدفع سعر الصرف للهبوط؟”، وذلك بدلا من التساؤل إذا ما كان السعر سيرتفع أكثر.
وفي حديثه لموقع “الحرة” يسأل “ماذا حصل لينخفض؟ لا شيء، وبالتالي هل هناك مؤشرات اقتصادية تتحسن؟ الجواب لا بل على العكس، تقنيا هل هناك عرض متزايد في السوق للدولار؟ أيضا لا، الناس تزداد تشبثا بدولاراتها يوما بعد يوم. إذا الطلب أكبر من العرض وبالتالي المسار تصاعدي”، يؤكد أبو سليمان.
تجاهل الأسباب الحقيقية:
الإجراء الوحيد الذي اتخذته السلطات اللبنانية بعد تخطي الدولار عتبة الـ10 آلاف وما رافق ذلك من تحركات في الشارع، كان اجتماعا اقتصاديا ماليا أمنيا وقضائيا، برئاسة الرئيس اللبناني، ميشال عون، وحضور رئيس الحكومة المستقيلة، حسان دياب، وعدد من الوزراء والمسؤولين، وقادة الأجهزة الأمنية، وحاكم مصرف لبنان.
تقرر من بعد الاجتماع “تكليف الأجهزة الأمنية بضبط كل من يمارس المضاربة ويخالف أحكام قانون النقد والتسليف، سواء كانوا من الصرافين المرخصين أو غير المرخصين، إضافة إلى تكليف الوزارات المعنية والأجهزة الأمنية بالعمل على ضبط استعمال العملة الأجنبية، إلا لغايات قطاعية تجارية، أو صناعية، أو صحية، وذلك لتأمين المتطلبات الأساسية للمواطنين”.
إضافة إلى العمل على إقفال المنصات والمجموعات الإلكترونية التي تحدد أسعار الدولار تجاه الليرة اللبنانية، والتواصل لهذه الغاية مع الجهات الرسمية الدولية، والمنصات العالمية الإلكترونية، وتأكيد على ضرورة إقرار قانون الـ “capital control”.
لم يغب عن بال المجتمعين الإيحاء بمسؤولية تقع على عاتق النازحين السوريين، من خلال “تكليف وزارة الخارجية والمغتربين بتكثيف العمل الدبلوماسي لحث الدول المانحة على مساعدة النازحين السوريين في وطنهم الأم”.
ولكن في المقابل، غاب عن الاجتماع ومقرراته الحجم الأكبر من الأسباب التي وصلت بسعر الصرف إلى هذه المستويات، وترشحه إلى تصاعد لا سقف له، بحسب ما يؤكد الخبراء الاقتصاديين.
25 ألف ليرة؟
يتفق خبراء الاقتصاد على أنه لا يمكن لأحد التنبؤ بالرقم الذي قد يصل إليه الدولار بشكل محدد، فذلك مستحيل بعلم الاقتصاد. ويشرح الخبير الاقتصادي، البروفيسور جاسم عجاقة، لموقع “الحرة” أن الحكومات بالعادة تضع سعر صرف تطمح اليه، وعلى أساسه تطلق خططاً وإجراءات من شأنها الوصول إلى الهدف بالسعر المحدد. أو في المقابل تحدد جهات أخرى ما تريده من سعر صرف وتعمل اقتصادياً وامنياً وسياسياً على بلوغه. هي بالتالي خطة يعمل عليها وليست ضرباً من التنجيم او التوقعات والصدف.
“لتبيان مدى إمكانية الوصول إلى الرقم 20 أو 25 ألف ليرة مقابل الدولار، علينا العودة إلى مارس العام الماضي، حين كان الدولار يساوي 2200 ليرة وكان رقم الـ10 الاف كابوسا”، يقول أبو سليمان، قبل أن يضيف “اليوم تخطى الدولار عتبة الـ10 آلاف بعد سنة واحدة وبالتالي ليس مستغرباً أو مستبعداً أن يصل إلى الـ20 وربما الـ30 ألفاً لكن لا يمكن التنبؤ بالرقم الذي يمكن أن يسجله، بل يمكن قراءة المنحى الذي لا يزال ينحدر بالليرة هبوطاً دون أي إجراءات لوقفه”.
عوامل كثيرة أدت إلى تسريع انهيار الليرة اللبنانية في الفترة الماضية، يقسمها الخبراء الاقتصاديون بين سياسية، اقتصادية، نقدية ومالية، إضافة إلى المضاربة. يشير عجاقة إلى أن “العملة تعكس بعلم الاقتصاد ثروة البلد، كلما كان قوياً كانت العملة قوية وبالعكس، كل ذلك يحدده بالدرجة الأولى حجم التبادل التجاري مع الخارج. في لبنان الاقتصاد منهار، الدولة غائبة، تهريب دون رادع والتبادل التجاري مع الخارج يكاد ينعدم.
المضاربة: “السوق السوداء” ومنصاته
إذا ما تم حجب منصات سعر الصرف الإلكترونية، وجرى ملاحقة الصرافين في السوق السوداء بناء على مقررات السلطات اللبنانية الأخيرة، هل ستستعيد الليرة عافيتها وتعود إلى أسعار الصرف الرسمية؟ “بالتأكيد لا” يجيب البروفيسور عجاقة، ويضيف ” لا يمكن حصر المشكلة بصرافي السوق السوداء وتطبيقات المنصات، فوضعنا الاقتصادي والسياسي بالويل”.
“في الوقت نفسه لا يمكننا تبرئة المنصات والسوق السوداء من مسؤوليتها عن رفع سعر الصرف بفعل المضاربة التي تمارسها” يؤكد عجاقة، ويشرح أن “هذه المنصات تعمل دون شفافية، يفرضون الأرقام التي يريدونها ويسير السوق خلفهم، لذلك ما يجري اليوم لا يتم وفقاً لحركة الأسواق، فأول درس يتعلمه الطالب في دراسة الأسواق المالية هو تعريف السوق، بالمعنى الاقتصادي تسمية السوق تحمل ميزات خاصة أهمها الشفافية في العرض والطلب على أساسها يتم تركيب سعر التوازن، وبما أن هذه السوق (السوداء) تفتقد إلى ما يسمى في علم الأسواق بـ “كتاب الطلبات” الذي يؤمن شفافية الأسعار، بالإضافة إلى القفزات المتقطعة غير المبررة والتي لا تعترف فيها الأسواق المالية، لذلك فإن السوق السوداء لا ينطبق عليها وصف السوق بالمعنى الاقتصادي”.
يرى عجاقة أن هذه التطبيقات تدار من جهات تتعمد التلاعب بسعر الصرف ودفع الاقتصاد نحو مزيد من الانهيار. ويتساءل “أحد مديري هذه التطبيقات تبين أنه في تركيا ويديرها من هناك فأي اطلاع له على سوق العرض والطلب في لبنان ومن أين يستحصل على البيانات اللازمة لتحديد سعر الصرف؟”.
في المقابل، يقلل أبو سليمان من دور هذه المنصات، مؤكداً انه لا يمكنها صناعة سعر الصرف ولا التأثير في القفزات التي يشهدها السعر. “قد يشكلون حالة هلع للناس بسبب الهبوط والارتفاع في الأرقام لكنهم ليسوا صناع السوق.”
السوق السوداء، بحسب أبو سليمان، لا تسير وفقاً لقوانين، “سعر الصرف يتم تحديده فيها وفقا لأحدث العمليات المنجزة، فإذا ما طلب أحد التجار مثلاً مبلغاً من الدولارات وقرر صراف في السوق السوداء أن يعرضها للبيع بمبلغ يتجاوز سعر الصرف الحالي، وقبل التاجر بالسعر، يتحول تلقائيا السعر الجديد إلى سعر معتمد في السوق السوداء بحكم التواصل بين صرافيها بطرق مختلفة. وعليه كلما عرض سعر صرف جديد واستمر معه الإقبال على الدولار يتحول إلى سعر صرف معتمد باستمرار وجود الطلب. وإذا ما توقف الطلب تلقائياً ينخفض السعر إلى الحد الذي يعود معه الطلب.”
ويحذر أبو سليمان من أن “الحل لا يكون بقمع الصرافين والسوق السوداء، فهناك تجار في البلد يستوردون سلعاً غير مدعومة بقيمة 5 مليار دولار من أين سيحصلون على دولاراتهم في هذه الحال؟ لا المصارف تعطي دولارات ولا المصرف المركزي يؤمنها، سيلجأ التجار حكماً إلى السوق السوداء، في حين أن محاربة المنصات والصرافين سيخلق عشرات الأسواق السوداء وعشرات المنصات ومضاربات أكثر إضافة إلى ندرة أكبر في الدولار ما يعني ارتفاع إضافي في سعره.”
الدعم وأسعار الصرف
يسير الاقتصاد اللبناني اليوم وفقاً لـ3 أسعار صرف سائدة في الأسواق، الأول هو السعر الرسمي الذي لا يزال مثبتاً عند حد 1515 ليرة للدولار، يحافظ مصرف لبنان على وجوده من خلال دعمه للسلع والمواد الرئيسية والمحروقات والأدوية لتأمينها للبنانيين بما يناسب السعر الرسمي للصرف. أما الرقم الثاني فهو 3900 ليرة للدولار وهو الرقم الذي تدفعه المصارف مقابل دولارات مودعيها، بالليرة اللبنانية وبسقوف شهرية محددة. إضافة إلى سعر السوق السوداء.
يرفض الخبير الاقتصادي، الدكتور إيلي يشوعي، في حديثه مع موقع “الحرة” اعتماد وصف “السوق السوداء”، مطلقاً عليها اسم “السوق البيضاء التي تعكس حقيقة سعر صرف الليرة اللبنانية، السوق السوداء الفعلية، هي سوق الـ1500 و3900 ليرة، فهناك اختفت الدولارات وغابت ونهبت وسلبت وأدت الى ارتفاع سعر الصرف في السوق الحقيقية.
من ناحيته، يرى أبو سليمان أن لكل سعر صرف مهمته. “السعر الرسمي (1515 ليرة) لا يزال مثبتاً لدى مصرف لبنان عبر الدعم، وهدفه حماية الطبقة السياسية وتأمين مداخيلها فهو المدخل الأول لعمليات التهريب والهدر والعمولة التي تتم برعاية كارتيلات الأحزاب السياسية، إذ لا يجرؤ على ذلك إلا المحميين. أما سعر الـ3900 ليرة الذي تدفعه المصارف بسقوف محددة شهرياً، فقد أوجدوه أيضاً لحماية المصارف والمصرف المركزي، حيث تخفف عليهم الأعباء بالدولار فتشطب دينها بالدولار وتدفعه للمودعين بالليرة.”
يؤكد يشوعي أن “الدعم المقدم من مصرف لبنان، ساهم في هدر نحو 7 مليارات دولار من احتياطي المصرف المركزي حتى اليوم، فيما كلف هذا الدعم اللبنانيين أكثر مما استفادوا منه، حيث استفادت دول خارج الحدود، مجاورة وغير مجاورة، واستفاد سياسيون يغطون تجار ومحتكرين ومهربين، وكانت النتيجة التفريط بالدولارات المتبقية لصالح خطة ظالمة وغير عادلة.”
مع تضاؤل احتياطات مصرف لبنان من العملة الصعبة، بدأ رفع الدعم عن السلع والمواد الرئيسية يتم بشكل تدريجي بحسب الأولويات، فيما يعيش البلد بأكمله بانتظار النتيجة التي سيؤول إليها الرفع الكامل للدعم. يقول البروفيسور عجاقة إن الكلام عن رفع الدعم المستمر، هدفه تطبيع الفكرة في أذهان الناس ليتعاملوا معها كأمر واقع ومتوقع عند حصوله. لكن هذه الاستراتيجية تصل إلى أن ترتفع أسعار السلع ويتم احتكارها قبل حتى أن يرفع الدعم، وبالتالي يزداد الغلاء وتنخفض القدرة الشرائية ما يساهم بالمزيد من زعزعة الوضع النقدي وانخفاض القدرة الشرائية لليرة”.
يضيف عجاقة “وفي الوقت نفسه، فإن رفع الدعم التدريجي عن السلع يزيد من طلب التجار على الدولار في السوق السوداء كي يقوموا بعمليات الاستيراد. لكن لو اقتصر الدعم على حاجة السوق اللبنانية الصغيرة وبدراسة صغيرة أجريتها، لكنا بحاجة إلى نحو 300 مليون ليرة، أما هذا الحجم الكبير من الدولارات التي تذهب للدعم، فإنه يضيع بالتهريب المنظم إلى سوريا وغير سوريا من دول المنطقة”.
المصارف مسؤولة أيضاً؟
مع نهاية شهر شباط، انتهت المهلة التي أعطاها مصرف لبنان للمصارف، حسب التعميم رقم 154، من أجل زيادة رساميلها. وكان يفترض بالمصارف التي تريد البقاء في السوق، أن تكون قد أنجزت عملية زيادة رساميلها بنسبة 20 بالمئة وسيولتها لدى المصارف المراسلة بنسبة 3 بالمئة.
انتهاء المهلة جاء بالتوازي في التوقيت مع القفزة الكبيرة لسعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، الأمر الذي طرح علامات استفهام في الإعلام والرأي العام اللبناني حول مسؤولية المصارف عن جمع الدولار من السوق، وهو ما يشير إليه الدكتور يشوعي مطالباً بالبحث عن الطريقة التي زادت المصارف رساميلها للإجابة عن سبب ارتفاع الدولار الأخير.
“لا يمكنني أن أبرئ ذمة المصارف من التلاعب بسعر الصرف الدولار كما يتم اتهامهم في الإعلام” يقول عجاقة، ويضيف “يمكن أن يكونوا قد لبوا جزءا من حاجتهم للدولارات من السوق السوداء وهذا يخالف القانون (عقوبات المادة 319) ويشكل فضيحة إن ثبت، ولكن الأكيد أنهم لم يلبوا كل حاجتهم من السيولة البالغة نحو 3.4 مليار دولار من السوق السوداء، وإلا لكان سعر الصرف لمستويات خرافية”.
ولكن عجاقة يتهم المصارف بشكل واضح بفضيحة أخرى، تؤثر بشكل كبير على سعر الصرف، وهي المتاجرة بالشيكات. “هناك العديد من المصارف، بعدما توقفت عن منح المودعين أموالهم، توجّه عملاءها إلى صرافين محددين يشترون منهم الشيكات بربع قيمتها، والناس تقبل بذلك بسبب فقدانها الأمل من المصارف، فيربح الصراف ويعيد الشيك إلى المصرف الذي يعطيه عمولته من الدولارات بطريقة مخالفة للقانون، ويشطب لديه 3 أرباع حجم دينه للمودعين، في حين أن الصراف يكون قد لبى زبائنه من السوق السوداء وزاد من حجم الطلب على الدولار”.
في المقابل، فقد مصرف لبنان مخزونه من الدولارات، بحسب أبو سليمان “والدليل على ذلك أنه كان يمد المصارف والصرافين بنحو 300 ألف دولار يوميا لتلبية طلبات منصة التجار والمستوردين، اليوم أوقفها ولم يعد يمد الأسواق، كذلك نحن اليوم على عتبة عتمة وكهرباء لبنان مديونة بنحو 310 مليون دولار لم يعد مصرف لبنان قادرا على دفعها بسبب عدم وجود ما يكفي من الدولارات لديه”.
كل ذلك يؤدي إلى ندرة الدولار في الأسواق بحسب يشوعي، “حيث بات من يملك دولاراً يتشبث به في ظل عدم السماح بالسحوبات النقدية، وتصرف الناس بقدر حاجتها، فلماذا يبيعون في ظل انعدام ثقتهم بالليرة والاقتصاد اللبناني ومصارفه؟”.
ويضيف “البنك المركزي في لبنان لم يطبق شيء اسمه سياسة نقدية، بل جاء ليختزل السياسة النقدية بفصل النقد عن الاقتصاد وتثبيت سعر صرف الليرة بمعزل عن النتائج الاقتصادية التي جاءت كنتيجة فصل الجسد عن الروح، مات الاقتصاد اللبناني، والخط المستقيم لثبات سعر الصرف بالفوائد العالية، كان بمثابة توقف نبض الاقتصاد اللبناني. هذه السياسة أضعفت الإنتاج والاستثمار لصالح الريع، وقلصت فرص العمل وزادت من عجز الخزينة وضربت القطاع الخاص وهجرت شباب لبنان.
طبع الليرة وخطر التضخم
سبب آخر من أسباب الانهيار السريع يستعرضه الخبراء في إطار شرحهم، وهو الطبع اللامحدود لليرة اللبنانية، وهو إجراء يقوم به مصرف لبنان من أجل تأمين حاجة الدولة اللبنانية من الليرات في ظل انعدام الواردات إلى الخزينة.
طبع الليرة بدأ في أغسطس من العام 2019، وسار بطريقة تصاعدية حتى بلغ 3 ترليون ليرة بين شهري نوفمبر وديسمبر 2020، بحسب ما يؤكد عجاقة، وسبب هذه الحركة التصاعدية هو أنه كل ما طالت الأزمة كل ما تصبح التكلفة أعلى. “الناس لا تعرف هنا ما الذي تخسره، فهي تخسر هذه الأموال المطبوعة، مصرف لبنان يطبع الأموال ليغطي عجز الحكومة التي لا تزال تصرف وكأنها في العام 2019، وبذلك نزيد من حجم الكتلة النقدية بشكل جنوني وهذا جزء كبير من الأزمة ومؤذي جداً لليرة بحيث يرفع معدلات التضخم بشكل كبير”.
يصف أبو سليمان عملية طبع العملة اللبنانية بالـ “كارثة التي ستزيد من التضخم، حيث بات حجم الكتلة النقدية في البلاد يتجاوز 34 ألف مليار ليرة لبنانية، الناس باتت تمارس هيركات على نفسها، فكلما حصلت على أموالها من المصارف بالليرة، تحولها بخسارة إلى دولار، لضمان وجود عملة ذات قيمة في يدها، وبالتالي فإن وجود هذا الحجم الضخم من الكتلة النقدية في الأسواق يرفع الطلب على الدولار. وطالما ان عملية الطبع تتم شهريا بوتيرة تصاعدية تجاوزت الـ4 ترليون ليرة في الشهر الماضي، سيزيد من التضخم وبالتالي وقع الانهيار”.
والتضخم هو الارتفاع المستدام في الأسعار، وحين تفقد العملة قيمتها كأن الأسعار ترتفع، النتيجة نفسها بحسب ما يؤكد عجاقة، واصفا التضخم بتوقف القلب لدى الإنسان، إن عاد إلى العمل سريعاً قد لا يترك آثاراً صحية، لكن بعد مرور 20 دقيقة إن عاد سيعود بأضرار دائمة وعضوية، الأمر نفسه بالنسبة للاقتصاد حين يتعرض لنسب معينة من التضخم يتعرض لأذى طويل الأمد. المشكلة ان ما يجري في لبنان لا يقتصر على كونه سلوكاً اقتصاديا وإنما هو نهب بكل ما للكلمة من معنى لا يمكن مقاربتها بمفاهيم اقتصادية وللأسف تتم بتواطؤ المسؤولين وعليه لا يمكن قياس نسبة التضخم الحقيقية مثلا في لبنان لكننا تجاوزنا مرحلة التضخم المفرط.”
من جهته ينبه أبو سليمان من مخاطر “اللعب مع التضخم والسماح بوصوله لمستويات مرتفعة وعلى فترات طويلة، حيث سيترك آثاراً مدمرة على الاقتصاد ويؤخر أكثر في أي عملية نهوض به. ولو كانت الدولة اللبنانية قد بدأت إجراءاتها واصلاحاتها منذ بداية الانهيار العام الماضي لكانت التكلفة اليوم أقل، مثلاً سندات اليورو بوند تبلغ قيمتها نحو 30 مليار بالعملات الأجنبية، الدولة اللبنانية تقبض وتدفع بالليرة، كانت ستدفعها في حينها على سعر صرف 2200 ليرة بات اليوم 10400، هذا يوضح حجم الخسائر التي تركها التسويف والتأخر في الإصلاحات”.
ماذا بعد الـ 25 ألفا؟
سؤال يشغل بال جميع اللبنانيين اليوم، حيث يحاولون التحضر لما هو قادم من سيناريوهات أمنية وخضات اجتماعية قد يحمله هذا التدهور المالي والاقتصادي. يتفق الخبراء الاقتصاديون على أن الفقر سيكون من أبرز المظاهر في المرحلة المقبلة، وهو ما يظهر جلياً اليوم بعد أن أصبح 55 بالمئة من اللبنانيين تحت خط الفقر.
يقول أبو سليمان إنه مع افتراض الوصول إلى سيناريو الـ25 ألف ليرة مقابل الدولار، ستتخطى نسبة الفقر الـ75 بالمئة من اللبنانيين، واقتصاديا يعني شللا تاما في الاقتصاد، وانعدام نهائي لحركة الاستثمارات، هذا الواقع سيؤدي حكما إلى اضطرابات اجتماعية وأمنية، وإذا كان رد الفعل اليوم بقطع الطرقات والاحتجاج في الشارع سيصل مستقبلاً إلى السرقة والنهب”.
من جهته، يؤكد عجاقة أن نسبة الفقر مرتبطة ميكانيكياً بسعر الصرف. وهذا ما تظهره أرقام البنك الدولي في توزيع اللبنانيين على الطبقات الاقتصادية، فما بين العام 2019 والعام 2020، يظهر (في الرسم البياني) بوضوح كيف ارتفعت نسبة الفقراء والأكثر فقراً مع انهيار العملة على مدى العام، فنسبة الذين يعيشون في فقر مدقع كانت 8% عام 2019 ارتفعت إلى 23% عام 2020، ما يعني أن ربع الشعب اللبناني اليوم يعيش في فقر مدقع بمدخول يقل عن 1.9$ في اليوم، وإذا ما تابع هذا الحال باستمرار السعر القائم أو انهار سعر الليرة أكثر، سنشهد خلال بضعة أشهر ارتفاعاً كبيراً بنسبة الفقراء قد تصل إلى 85%”.يختم يشوعي معلقاً على هذا السيناريو بالقول “يجب على اللبنانيين حينها أن يودعوا الرفاهية وكذبة البحبوحة، حيث سيختبرون المعنى الحقيقي للعسر وضيق الحال، إذ لا حل قريب حالياً، إلا بإعادة توزيع الـ17 مليار دولار المتبقية كاحتياط لدى مصرف لبنان على الناس عبر المصارف من أجل تنشيط السوق وتوفير الدولار، حيث لم يعد يحتاجها المصرف المركزي في الدعم او في تثبيت سعر الصرف، وذلك يحتاج قانوناً يقر من مجلس النواب، وهذا الحل القريب والوحيد حالياً من دونه فإن الدولار مفتوح على ارتفاع غير محدد بسقف أو رقم في لبنان”.