الجيش الى مواجهة جديدة مفتوحة وخطيرة

المصدر: ليبانون فايلز

تخوض المؤسسة العسكرية احدى أخطر الحروب التي مرت على لبنان وأكثرها فتكا، فهي تواجه عدوا يملك من القدرات والتكتيكات ما يفوق جيوش بلاد وأمم، وتفرض نوعية المواجهة عناصر قتالية باساليب جديدة مختلفة عن تلك التقليدية التي اعتدنا عليها.. العدو هنا غير مرئي ولكنه مؤلم في اصابة هدفه يهز مجتمعا كاملا ويسقطه بسلاح كاتم للصوت والنفس، ويشن معركة استنزاف خصمه لجره الى الاستسلام.

عندما تسلم قائد الجيش العماد جوزاف عون مهمة القيادة، كان مدركا لحقيقة الاخطار التي تحدق بلبنان، تمرس جيداً على العمليات التي تصيب الارهاب عندما كان قائدا للواء التاسع بقاعاً، يومها وصف بقائد جهة عرسال بوجه الارهاب الذي كان منتشرا على طول الحدود الشرقية، وكان على دراية أيضا بوضع الحدود جنوبا حين كان مرابطا جنوب نهر الليطاني على تماس مباشر مع العدو، ولكن “حرب الاقتصاد” التي يواجهها لبنان لم تكن في الحسابات العسكرية التي تضع الخرائط لاهداف ظاهرة وتحدد ساعة الصفر لأي عملية أمنية وفق المعلومات والحيثيات التي يتم تجميعها قبل اتخاذ القرار.

في هذه الحرب يمكن أن تواجه عدوا مفاجئا يكون الى جانبك قبل الانقلاب عليك، وهذا التكتيك يعتبر الاخطر على النسيج العسكري نظرا لتداعياته على البيئة الحاضنة للمؤسسة، التي تؤكد احترامها لحرية التعبير ولوجع الناس في ظل الوضع الاقتصادي الذي نمر به، وتشدد من جهة أخرى على الامن والاستقرار في البلاد ومنع اي اخلال بهما.

منذ 17 تشرين وازن الجيش بين الامن والاستقرار واحترام حرية التعبير، وحرص العماد عون على عدم ترجيح كفة على الأُخرى وهذا ما اعطى حصانة للمؤسسة العسكرية من قبل الشعب ومناعة ضد فيروس الطوابير والتدخلات السياسية وحملات التحريض التي يشنها بعض المفلسين على المؤسسة تحت شعارات رنانة لم تلق تجاوبا من قبل غالبية الشعب والرأي العام، وفي التحرك الاخير حافظ الجيش على هدوئه بالتعامل مع المواطنين، ولطالما حذرت القيادة من دفع المعاناة التي يعيشها اللبناني الى التعبير عن غضبه من الوضع الذي يمر به من خلال ورقة الشارع، حتى أن اللقاء في اليرزة الذي اطلق في خلاله العماد جوزاف عون صرخة بوجه المعنيين كان محضرا قبل اسبوعين من التحركات، وكان هدفه اطلاع الضباط الكبار على ما آلت اليه الاوضاع في البلاد والتحذير من العودة الى الشارع واقفال الطرقات بسبب تردي الاوضاع الاقتصادية وتأثيرها على الناس، وتحدث القائد في الاجتماع بلغة “العسكريين” الذين يعانون من الازمة التي تعصف في البلاد ويعيشون معاناة تأمين ربطة الخبز وعلبة الحليب وغيرها من الحاجات التي فقدها المواطن، ولعل اهم ما في هذه الكلمة ملامستها لوجدان المواطن الباحث عن بديل يمكن ائتمانه على مستقبله، فبعد سقوط قوى السلطة وتحالفاتها الحزبية وفشل المعارضين بتقديم صورة جامعة على امتداد مساحة الوطن، نخر الفساد البعض وظهر جليا أن البدائل غير مهيأة بعد لتكون جامعة، فقد تناتشت الاحزاب وتقاسمت الساحات وفقدت الاخيرة ثقة الرأي العام الصامت الباحث عن بديل جدي.

هذا الفراغ تملؤه المؤسسة العسكرية اليوم المتواجدة في مختلف المناطق اللبنانية وتشكل شبكة أمان عابرة للطوائف بالنسبة للبناني، وقد تعزز هذا الشعور في السنوات الاخيرة بعد ان خاض الجيش معارك ضد الارهاب وقدمت قيادته صورة مؤسساتية خارج حسابات قوى السلطة والاحزاب، وعَبَّر عن ذلك أكثر من موفد وقائد عسكري غربي زار اليرزة، وتكتسب في هذا السياق زيارة قائد القيادة الوسطى الأميركية الجنرال كينيث ماكنزي بيروت قبل يومين أهمية كبيرة لاسيما وأنها كانت عسكرية بامتياز حيث عقد لقاء مطولا مع العماد عون وجال على الوحدات القتالية المنتشرة على الارض حيث استطلع مواقعها وتجهيزاتها في اطار التنسيق الدائم بين جيشي البلدين، وبدا لافتاً تصريح ماكنزي الذي شدد على أهمية الشراكة القوية بين ​الولايات المتحدة​ والجيش اللبناني، وعلى العلاقة مع الجيش اللبناني المبنية على الرغبة المتبادلة في الأمن والاستقرار في المنطقة والقدرة على التدرّب معا لتحقيق المنفعة الجماعية.

تلخص هذه العبارات روابط الثقة العسكرية بقدرات الجيش اللبناني، وبتفعيل العمل بين الولايات المتحدة ولبنان عبر الجيش كضامن للاستقرار على عكس ما يرغب به بعض المتضررين من دور الجيش الوطني، مصوبين على قيادته بعد أن طرقوا بابها بحثا عن منفعة أو خدمة على الطريقة اللبنانية، وعندما وجدوا أن “سلتهم فارغة” عمدوا الى بث سمومهم عبر حملات شيطنة المؤسسة في زمن التحولات الكبرى، ويعلم هؤلاء أن عقلية جوزاف عون العسكرية ترفض البزات السياسية الرسمية وبعيدة عن نهجها الملتوي.

Exit mobile version