المصدر: ليبانون ديايت
في ظل التطوّرات السياسية المتسارعة التي تشهدها البلاد في موضوع تأليف الحكومة، يُجمع اللبنانيون على سؤال واحد أحد وهو لماذا تأخّر التأليف إلى هذا الحدّ؟ وما هي هذه الأسباب المهمّة جداً الكامنة وراء هذا التأخير، والتي عطّلت البلاد على مدى أشهر خمسة، ونحن نمرّ بأسوأ أزمة إقتصادية ـ مالية ـ نقدية ـ إجتماعية نشهدها في تاريخنا، وبأمسّ الحاجة لساعة من الوقت لا نهار أو أسبوع أو شهر؟
وفي هذا الإطار، أكّد مراقبون أن أحداً لا يمكنه أن يصدّق أن العقدة أمام تأليف الحكومة، تقف عند من يسمّي وزير الداخلية أو من يسمّي وزير العدل على ما يحاول البعض تسويقه، فقد تم التوصّل إلى صيغة تقضي بضمان أن أياً يكن من يسمّي حامل هذه الحقيبة أو الأخرى، عليه أن ينتقي إسماً من بين مجموعة أسماء تم الإتفاق عليها مسبقاً، وبالتالي، أياً يكن الإسم الذي سيتم اختياره في كلتا الحقيبتين، فهو لن يشكّل أي خطر على أي فريق من المتنازعين.
ولفت المراقبون، إلى أن أحداً لا يمكنه أن يصدّق أيضاً أنه في هذه اللحظة المصيرية من تاريخ لبنان، حيث وصلت الأزمة إلى حدود الإنفجار الإجتماعي الذي من شأنه أن يطيح بالدولة ومؤسّساتها ولبنان الكيان، يمُكن لأحد التغاضي عن هذا الأمر للوقوف عند عقد تفصيلية من هنا، وأخرى من هناك، لذا أُقِر الرأي بأن العقدة الحقيقية والفعلية التي تحول دون التأليف مزدوجة: العقدة الأولى عملية، فيما العقدة الثانية معنوية.
وأوضح المراقبون، أن العقدة العملية تكمن في أن هناك من أَسَرَّ لقيادة “التيار الوطني الحر”، أي النائب جبران باسيل، أنه بإمكانه في هذه اللحظة السياسية بالذات، مع تغيُّر الإدارة الأميركية، وعدم انتهائها من إنجاز مقاربتها النهائية لملف الشرق الأوسط، وفي حال كان هناك تدخّل دولي ضاغط من أجل تأليف الحكومة، يمكنه أن يشترط، أو أن يقايض، على رفع العقوبات عنه مقابل الإفراج عن تشكيل الحكومة، باعتبار أن لا شيء يبرّر هذا التعطيل وهذا التعقيد، إلا أن هناك شيئاً من هذا القبيل يُخطّط له ويجري في الخلفية.
ورأى المراقبون، أن باسيل كان يعمل ويخطّط على ما يبدو لأن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه اليوم لناحية استدراج التدخلات الدولية، إلى حدّ أن الحضّ على التأليف بدأ في باريس، ولم ينتهِ في موسكو، وما بينهما في القاهرة ومجموعة الدعم الدولية والإتحاد الأوروبي، وبالتالي، يبدو أن باسيل اعتبر أنه مع هذا الضغط الدولي، يصبح متاحاً له المقايضة في موضوع رفع العقوبات عنه، لأن هذا الأمر بالنسبة إليه مصيريّ جداً، باعتبار أنه، ومع استدراجه التدخّل الدولي يمكنه العمل على التوصّل إلى تفاهم ما يرفع عنه العقوبات، التي في حال لم تُرفع، فهو سيكون حُكماً خارج السباق الرئاسي المقبل، الأمر الذي لا يمكن أن يتصوّره باسيل في أي لحظة من اللحظات.
وأشار المراقبون، إلى أن العقدة المعنوية تكمن في أن جبران باسيل خرج من الحكومة على وَقع الإنتفاضة الشعبية، حيث صدحت أصوات حناجر اللبنانيين على مساحة الوطن “هيلا هيلا هو…”، وانطلاقاً من المعادلة غير المفهومة التي وُضعت مع “التسوية الرئاسية”، وربطت بين الرئيس المكلّف سعد الحريري وباسيل، عوضاً أن تربط بين الأول ورئيس الجمهورية ميشال عون، فإن ما يقوم به اليوم الحريري عملياً ،هو كسر هذه المعادلة وإعادة تصحيحها، إن جاز التعبير، من خلال: أولاً رفض اللقاء بباسيل قبل التأليف، وثانياً عبر وضعه معادلة “استقالة الرئيس مقابل الإعتذار”، وبالتالي، يقوم الحريري بقلب الطاولة على معادلة التسوية الأولى، ويحاول أن يُرسي مع تأليف الحكومة العتيدة، تسوية جديدة يفرض من خلالها قواعد جديدة للعبة، وتوازن جديد قوامه الحريري ـ عون، لا على ما كان عليه الحريري ـ باسيل، ولهذا السبب،
يدأب الحريري ويصرّ جداً على أن يكون تأليف الحكومة نتيجة تفاهمه مع الرئيس حصراً،
حيث يكون باسيل بعيداً عن هذا التفاهم بالمباشر، وإن لم يكن بشكل غير مباشر لناحية الرئيس فقط.
واعتبر المراقبون، أنه في حال نجح الحريري بالقيام بذلك، يكون قد حرم “التيار”،
وبالتالي باسيل، من لعبة الإزدواجية ما بين الأخير والرئيس عون،
ويكون قد أسقط معادلات أخرى، لطالما استعملها باسيل للقبض على الحكومات السابقة
ك”ما للرئيس هو للرئيس وما للتيار هو للتيار”،
ناهيك عن معادلة “إما باسيل والحريري معاً داخل الحكومة،
أو الإثنين خارجها” التي تمكّن الحريري من كسرها متكئاً على حسابات “حزب الله” قبيل تكليفه.
وأوضح المراقبون، أن هناك من يعتبر أن ما يقوم به الحريري اليوم، أدّى إلى ضربة معنوية كبيرة لباسيل،
الذي كان يعتقد أن بإمكانه أن يحصر خسائره المباشرة عقب تكليف الحريري بمجرّد انكسار معادلة واحدة
وهي: “إما باسيل والحريري معاً داخل الحكومة أو الإثنين خارجها”، لا انفراط عقد التوازن وتغيّر قواعد اللعبة،
كما كان يعتقد أيضاً، أن بإمكانه جرّ الحريري إلى التنازلات، وقد دأب وعمل جاهداً على ذلك،
تارةً باستعماله شعار “وحدة المعايير” التي أسقطها أيضاً الحزب ب”الضربة القاضية”،
وتارةً أخرى بافتعاله حروباً وهمية كـ”حقوق المسيحيين
” التي سقطت جراء مواقف غبطة أبينا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الأخير، معطوفةً على مواقف الفاتيكان التي لجأ إليها باسيل وفَشِل.
ولفت المراقبون، إلى أن باسيل كان يراهن على استمرار الحريري بمساره الذي اعتاد الجميع عليه،
وهو من تنازل إلى تنازل في كل المراحل السابقة،
كما أنه لم يكن يتوقّع أن يصمد الحريري في هذه المواجهة في ظل الضغوط الشعبية،
التي لم يمتنع باسيل عن استغلالها قدر استطاعته، والنقدية والمالية والإقتصادية والإجتماعية.
لقد رمى باسيل رهانه كاملاً في خانة تراجع الحريري، الأمر الذي لم يتحقّق، وبالتالي لم تتشكّل الحكومة.
وشدّد المراقبون، على أنه بعد هذا المسار الطويل، دخل “حزب الله” مباشرةً، وبشكل علني وشامل،
على خط الأزمة، فالحزب من جهة له مصلحة كبرى في أن يكون إلى جانب حليفه الإستراتيجي جبران باسيل،
وفي أن تُرفع العقوبات عنه، حتى لو كلّف هذا الأمر استدراج الضغوط الدولية على لبنان لتأليف الحكومة،
إلا أنه في الوقت عينه، لديه مصلحة ترتقي إلى مرتبة الإستراتيجية في عدم اعتذار الحريري،
لكن هذا الأمر لا يعني بالنسبة لـ”الحزب” أن يخرج الأخير منتصراً من معركته مع باسيل،
باعتبار ان لـ”الحزب” أيضاً مصلحة كبرى في الوصول إلى تسوية ما بين الطرفين،
لذا، عمد “حزب الله” إلى مقاربة الملف بميزان الجوهرجي والتقاط العصا من وسطها، ولم يخضع لضغوطات باسيل لحسم المعركة لمصلحته،
كما أنه في الوقت عينه، لم يضغط على الأخير لكسره.
وختم المراقبون، أنه عندما وجد “حزب الله” أن الأمور بدأت تخرج عن السيطرة،
وأصبح هناك احتمال كبير في أن تنزلق إلى ما لا تُحمَد عقباه،
بدأ يضغط على عون من أجل الذهاب إلى التأليف، بمعزل عن انتصار معنوي لباسيل لم يتحقّق في مواجهة الحريري،
كما بمعزل عن مقايضة على عقوبات باسيل مع واشنطن، لم تبصر النور بحكم تعاطي الأخيرة ببرودة تامة مع الوضع السياسي في لبنان،
وإن جاز التعبير، فهي لا تكترث، أو تأبه، في حال تشكّلت الحكومة أو لم تتشكّل،
أو في حال انفجر الوضع الإجتماعي، أو لم ينفجر، وبالتالي، لم تخضع لمحاولة ابتزازها، بأرواح اللبنانيين،
من قبل باسيل من أجل دفعها على التنازل له،
فارتدّ السحر على الساحر المعطّل هذه المرّة ، وجعله مضطراً أمام ضغوط “حزب الله” واحتمال انزلاق البلاد إلى الإنفجار ، للذهاب إلى التأليف.