المصدر: المدن
أعاد مصرف لبنان السوق النقدي إلى نقطة البداية، بداية الأزمة ومعالجاتها “الترقيعية”، معتمداً مرة جديدة سياسة شراء الوقت، عبر اقتراح المنصة الإلكترونية كآلية تعامل مع انفلات سعر صرف الدولار وانهيار العملة الوطنية. ولكن هذه المرة أضاف معطى جديداً على مشهد المنصة الإلكترونية، تمثّل بإشراك المصارف مع الصرّافين بعملية الإتجار بالعملات الأجنبية بالسعر الذي سيتم تحديده، والمتوقع أن يقارب سعر صرف الدولار في السوق الموازية.
مصرف لبنان المركزي أعلن نيّته التدخل بالسوق كلما دعت الحاجة. وهو ما أعلنه مستشار رئيس الجمهورية ميشال عون، الجاهل غالباً لما يعنيه تدخّل المركزي بالسوق النقدي عند الحاجة. ما قرّره سلامة ووافق عليه رئيس الجمهورية وبشّر به مستشاره ما هو إلا تمثيلية وعملية استدراج لدولارات المواطنين المدخرة في البيوت. فالمركزي لا يملك من الدولارات سوى ما امتصه في المرحلة الأخيرة من السوق. وبالتالي، لا قدرة لديه على ضخ الدولارات بالسوق حسب ما يعنيه مفهوم “التدخل بالسوق”. فمصرف لبنان يستهدف من إطلاق المنصة الإلكترونية وإشراك المصارف والصرافين فيها شراء وبيع الدولار، وليس فقط البيع كما هو متوقع. لكن هل سيتسنى للمركزي والمصارف والصرافين الشراء عبر المنصة أو بمعنى آخر هل سيتم عرض الدولار عبر المنصة للبيع؟
من المستبعد ان يتم بيع الدولارات عبر المنصة. لا بل من المتوقع أن تعمل المنصة في اتجاه واحد هو شراء الدولارات. لذلك، من غير المتوقع أن يُكتب لها الاستمرار. أما الحديث عن تدخّل المركزي “متى دعت الحاجة”، فهو كلام أكثر من ساذج. خصوصاً أن الأزمة تجاوزت مفهوم الحاجة بأشواط، وقرار المنصة الإلكترونية وآلية تنظيم عملها لا يعكس جدّية التعامل مع أزمة بحجم الإنهيار النقدي الواقع اليوم. وما انضمام المصارف كلاعب أساسي في سوق الصرف عبر المنصة الإلكترونية المُستحدثة، سوى توسيع لنطاق السوق السوداء واعتراف بها وإن بشكل غير مباشر.
ومن المرتقب أن يتم إطلاق العمل بالمنصة الالكترونية يوم غد الإثنين 22 آذار،
على نحو يتم فيه تسجيل كل عمليات شراء وبيع الدولار عبرها، على أن تكون المرجع الأساسي للسعر الحقيقي للسوق.
وتتيح المنصة للمصارف كما الصرافين التداول بالدولار بسعر السوق الحقيقي،
مع حصر بيع الدولار لفئات محدّدة، بينها المستوردين والصناعيين وبعض الفئات الضيقة.
ومن المفترض أن يتم التداول عبر المنصة بالأوراق النقدية فقط، أي بـ”الكاش”.
بمعنى أن يتم بيع وشراء الدولار الكاش وبالليرة الكاش وليس عبر الحسابات المصرفية.
وهذا الأمر يرتّب على المصارف شروط محدّدة قد ترفض الالتزام بها. في المحصّلة،
يستبعد العديد من الخبراء أن يُكتب لهذه المنصة النجاح والاستمرار.
ويتوقع الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمّود أن يتوقف مصرف لبنان عن العمل بالمنصة الإلكترونية،
في حال لمس أنها تعمل في اتجاه واحد، أي على خط بيع الدولار وليس الشراء. فالعمل باتجاه واحد في سوق الصرف لا يمكن ان يستمر.
وإذ يرحب حمّود في حديثه إلى “المدن” بمبادرة مصرف لبنان لتنظيم سوق الصرف،
يرى أن هذه المنصة تبقى مقيّدة، ولا يمكن للمصارف المركزية أن تعالج أزمة سوق الصرف بالمنصات.
فالأخيرة ترتبط مهامها بتنظيم ومتابعة حركة أسعار العملات وتداولها وليس المعالجة.
كما أن المعالجة من قبل البنوك المركزية لها مساران فقط، هي ضخ الدولارات في السوق من جهة،
وضبط الكتلة النقدية بالعملة المحلية من جهة أخرى. وفي حالة لبنان، قد يضخ المصرف المركزي العملة الأجنبية في السوق،
وربما من الاحتياط الأجنبي لديه. لكن من غير الوارد أن يكون سخياً بضخ الدولارات.
أضف إلى أن المنصة الإلكترونية ستكون مقيّدة جداً، إن لجهة حصر التداولات بالنقد الورقي أو لجهة حصرها بأغراض محددة،
إضافة إلى إخضاعها للرقابة من قبل لجنة الرقابة على المصارف.
بمعنى أن كل تلك القيود من شأنها أن تمد السوق الموازية بالقوة والدعم إذ صح التعبير:
“فالطلب على الدولار كبير جداً والعرض ضعيف جداً” يقول حمّود،
ومن غير المتوقع أن يضخ المركزي يومياً أكثر من مليونين إلى 3 ملايين دولار فقط.
فلا يمكن تأمين السيولة النقدية في البلد من دون معالجات شاملة،
لا تنفصل عن الحلول السياسية وتهيئة الأرضية المناسبة لرفع مستوى عرض الدولار من خارج البنك المركزي.