المصدر: لبنان24
بعد مرارة التجربة الرئاسية، وبعد هذا الكمّ التراكمي من خيبات الأمل، خرج رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بخلاصة قد تكون مفيدة لمن يفكّر من بعده بأن “يستميت” للوصول إلى الكرسي الرئاسي. وهذه الخلاصة هي بالتحديد بمثابة وصية للوزير السابق جبران باسيل.
أن يقول رئيس الجمهورية، قبل سنة ونصف السنة من إنتهاء ولايته، ما قاله في حديثه إلى “الجديد”، يعني أن الرجل يعاني، وهو يتمنى بحسرة لو أنه ورث بستان جدّه ولم يعمل رئيس الجمهورية، مع ما لهذا الكلام من دلالات وعِبر للآتي من الأيام، خصوصًا أن ثمة مراهنات كثيرة لدى البعض من أن العماد عون هو آخر رئيس جمهورية للبنان بوضعه الحالي، وقبل أن تنقلب الأمور رأسًا على عقب.
قبل أن يحقق الحلم الرئاسي، الذي كان يراوده، منذ اللحظة الأولى التي أُجبر فيها على مغادرة قصر بعبدا في ملالة تحت وابل من القذائف السورية، كانت بعبدا من تحت بالنسبة إلى العماد عون غير بعبدا من فوق، وهو الذي أتى تحت شعار “الرئيس القوي”. لكن بعد أربع سنوات ونصف السنة إكتشف أن ما حلم به طيلة هذه السنوات لم يكن “حرزانًا”، وقد فضّل بستان جدّه على الرئاسة.
على رغم ميلي إلى فكرة لو تخّلى عن لقب “الفخامة” لغيره، لم أشكّ يومًا أن نوايا الرئيس عون كانت تهدف إلى إصلاح الواقع وتغييره، لكن الظروف، والاخطاء التي ارتكبت واداء المحيطين به وفي مقدمهم”صهره الفولاذي”، كما وصفه الرئيس بنفسه، كل هذا الواقع جعله يقول ، ما كنت متخيل أنه رح كون مكبّل هلقد، ما كنت متوقع انه المنظومة هلقد مطوقة ومحصنة، حتى بالقضاء وهي المرجع الذي اعتمدناه لخوض معاركنا، تبين أنها حلقات، حتى لو تجاوزنا حلقة واحدة، نصطدم بعقبات وحلقات كثيرة”.
فإذا كان الرئيس القوي يقول مثل هكذا كلام، وهو بمثابة فعل إعتراف بعدم قدرته على محاربة الفساد المتجسّد بكل أشكال المحسوبيات، فماذا ترك للرئيس العادي أو غير القوي، الذي سيأتي من بعده، إن أتى.
كيف سيستطيع الرئيس المقبل، أيًّا يكن، محاربة الفساد ورموزه، وهذا ما عجز عنه الرئيس الحالي لأسباب عدّة، جزء منها مرتبط بدخول البعض ممن هم محسوبون على العهد في لعبة المحاصصة في التوظيف والسمسرات والصفقات ، وقد يكون ملف الكهرباء خير شاهد .
ولأن الشيء بالشيء يُذكر وعود على بدء تستحضرني الخلاصة التي توصّل إليها الصديق جوزف أبو فاضل، وهو المعروف بقربه من “التيار العوني”، وتقول هذه الخلاصة إن “الجنرال في الرابية” أقوى من “الرئيس في بعبدا”.
هذه الخلاصة توصّل إلى فلسفتها الرئيس عون بعد طول معاناة، وبعد تجارب شخصية، خصوصًا أنه إصطدم بواقع لم يكن يعتقد أنه معقّد إلى درجة إفشال العهد، وإحباط ما خطط له طوال إقامته القسرية في فرنسا، ومن بعدها في الرابية، وذلك من أجل الوصول إلى الكرسي الرئاسي، الذي لا يزال على رغم كل شيء حلمًا لدى البعض، مع أن هذا البعض يقول عن هذا الحلم “إنه حصرم رأيته في حلب”.
فهل يمكن اصلاح ما يجب اصلاحه في ما تبقى من العهد ام ان الانهيار الذي حصل بدد كل امل بالنهوض. المؤشرات الحكومية لا توحي بتغيير في الذهنية ، خصوصا وانها ترافقت مع عودة الفريق الرئاسي الى انماط في التعاطي تشبه حقبات سوداء مرت على لبنان من خلال “غرف سوداء” مهمتها دس التلفيقات والاكاذيب على قاعدة” فلنُغرق الجميع معنا في الوحل ، متناسين ان هذه الاساليب لم تعد تنفع مع اللبنانيين الذين كسروا حاجز الخوف والترهيب. فهل يتعظ من يجب ان يتعظ، وهل قرأوا جيدا ما قاله” الرئيس القوي” في مراجعته الوجدانية؟