المصدر: الجمهورية
طرح الاقتصادي روي بدارو خطة عمل انتقالية، تنطلق من بدء رفع الدعم وفق ثلاث مراحل، يفترض ان يتجّه معها لبنان نحو market mechanism، بحيث يلعب السعر دوراً فاعلاً في تحديد العرض والطلب. وشدّد على انّه اذا لم نسمح للأسواق بالتحرّك بكل حرّية، فأي تحوّرات فيها ستكون لمصلحة المافيات وأصحاب الكارتيلات..
إعتبر الاقتصادي روي بدارو، اننا اليوم امام معضلة قوامها اما إزالة الدعم، واما سلب أموال المودعين، إذ أنّ عدم إيقاف الدعم يعني سلب أموال صغار المودعين خصوصاً، وتوزيعها على كل المواطنين، ومن ضمنها غير المستحقين او الطبقة التي لا تحتاج الى دعم، اما في إعطائها الى النظام السوري من خلال التهريب. لذا يستحيل الاستمرار في هذا النهج، ويجب التحول الى مرحلة انتقالية. فقد سبق للسلطة ان سلبت أموال المودعين بعد تدني قوتهم الشرائية نحو 80%، وما الاستمرار بالدعم سوى لسلبهم المزيد دعماً لغير المستحقين.
وبرأي بدارو، انّ المصرف المركزي بدأ باستعمال أموال الاحتياطي الالزامي، مقدّراً المبلغ الذي استُعمل منه بنحو نصف مليار دولار، ليتراجع حجم الاحتياطي من 16 ملياراً الى 15.5 مليار دولار، واصفاً المؤشر بالخطير، لأنّه بمثابة غرفٍ من أموال صغار المودعين وتوزيعها على الجميع من ضمنهم مستوردو المحروقات والتجار. لذا بات من الملح اليوم إعادة النظر بسياسة الدعم.
وقال لـ «الجمهورية»: «انّ البدء في رفع الدعم، خطوة أساسية من شأنها ان تعطي إشارة ايجابية للدول المانحة وللمؤسسات الدولية وللأسواق المالية ولصندوق النقد، فتسهل بدء التفاوض معه، كذلك تساعد هذه الخطوة في تحسين سمعة لبنان، فيتمكن في العام 2024 من الدخول مجدداً الى الأسواق المالية العالمية، وهذه خطوة أساسية للانطلاق مجدداً. فإذا لم نعاود الدخول الى هذه الأسواق لن تكفينا المساعدات التي قد نحصل عليها، مع العلم انّ لبنان بعد هذه الأزمة سيكون مراقباً أكثر من أي وقت مضى».
وشرح بدارو، «انّ دعم القمح الحاصل اليوم من قِبل مصرف لبنان يجب ان يُخصص فقط للخبز العربي وليس لخبز الهمبرغر او الباغيت او الكعك… لكن لأنّه يستحيل مراقبة كيفية استخدام الافران للطحين المدعوم، تمكن هذا القطاع من تحقيق ارباح طائلة، وبما انّ قيمة دعم القمح تبلغ نحو 150 مليون دولار سنوياً، نحن نحبذ تحويل هذا المبلغ الى العائلات الفقيرة وليس الى المصالح الخاصة.
الامر سيان بالنسبة الى دعم الادوية والمعدات الطبية.
فبسبب هذا الدعم بات سعر الدواء اللبناني زهيداً جداً مقارنة مع بقية الدول،
لذا من الأجدى ان تحدّد السوق سعر الدواء وفق العرض والطلب
بدلاً من ان يحدّدها موظف في وزارة الصحة او وزارة الاقتصاد؟ بالتأكيد يجب ترك السوق يحدّد سعر الدواء تجنباً لتهريبه الى البلدان المجاورة،
لكن للأسف هنا أيضاً تعاني الأسواق اللبنانية من الاحتكارات في قطاع الدواء،
لذا من الضروري فتح الأسواق اذا كنا نريد تحريرها من الاحتكارات،
وهذا شرط أساسي يستوجب تمرير قانون المنافسة الموجود اليوم في المجلس النيابي».
تابع بدارو: «يستهلك مصرف لبنان 6.4 مليارات دولار سنوياً من ودائع الناس، من ضمنها مليار دولار نفقات للدولة
(اوجيرو، البعثات الديبلوماسية، قطع غيار للدرك وللجيش…)،
علماً انّ هذا المبلغ قابل للتخفيض، فيبقى لدينا 5.4 مليارات دولار من ضمنها 2 مليار دولار
تذهب هدراً من خلال التهريب الى سوريا او غيرها من الدول،
يبقى منها 3.4 مليارات دولار تُستعمل للدعم داخل لبنان.
ويحتاج لبنان خلال السنتين المقبلتين الى 150 مليون دولار لاستمرار دعم القمح، و600 مليون دولار للأدوية،
بما مجموعه حوالى 750 مليون دولار. كذلك يجب تخصيص مبالغ من اجل أي خطة طوارئ،
ربما تُستعمل لتأمين المازوت او ربما سلفة لكهرباء لبنان، مع التشديد على ضرورة وقف هذه التسليفات ورفع التعرفة ووقف الهدر التقني وغير التقني».
ورأى بدارو، اننا اليوم في مرحلة انتقالية يجب التحول فيها من الدعم المفرط الى الدعم الموجّه،
لنصل لاحقاً الى المرحلة الأخيرة، والتي تقضي برفع الدعم عن كل شيء، وذلك خلال ثلاث او أربع سنوات.
وقال: «نحن لا نزال اليوم في المرحلة الأولى، أي الدعم المفرط داخلياً وخارجياً، حيث يستفيد من الدعم الحالي المافيات،
والتهريب الذي يستفيد منه النظام السوري وحلفاؤه في لبنان». وشدّد على ضرورة الانتقال الى المرحلة الثانية،
والتي تقضي بتوجيه الدعم مع اعطاء بطاقة نقدية تستفيد منها العائلات الأكثر فقراً،
والتي تقدر اليوم بأكثر من 150 الف عائلة، وهؤلاء يستفيدون أصلاً من دعم البنك الدولي،
ومن المرجّح ان يرتفع هذا الرقم الى ما بين 350 الفاً او 400 الف
على ان ننتقل بعد حوالى 3 او 4 سنوات الى مرحلة رفع الدعم نهائياً ورفع البطاقات النقدية. وعندها يجب ان نكون انتقلنا الى مرحلة النمو وإعادة التوظيف.
في الموازاة، يجب في اسرع وقت، اليوم قبل الغد، البدء باعتماد الخطوات التالية:
– الكف عن اعتماد التسعير الاستباقي، لأنّ فيه سرقة موصوفة للمستهلك، والاستعاضة عنه بتسعيرة الدولار،
وما أن يصل المستهلك الى الصندوق يدفع بالليرة اللبنانية وفق تسعيرة سعر الصرف. فما يحصل،
انّ غالبية تجار الجملة وأصحاب الوكالات يسعّرون اليوم البضاعة وفق سعر صرف
اعلى من المعتمد في السوق حفاظاً على ارباحهم. على سبيل المثال،
اذا كان الدولار بـ12 الفاً يسعّرون البضاعة استباقياً وفق دولار 15 الفاً،
لذلك يجب وضع الأسعار بالدولار، وعندما يشتريها المستهلك يدفعها وفق سعر الصرف اليومي.
– يجب رفع الحدّ الأدنى للأجور الى ما يساوي حوالى 125 دولاراً شهرياً وفق معدل سعر الصرف خلال الشهر،
بحيث يكون الحدّ الأدنى للأجور متحرّك شهرياً يراعي تحركات سعر الصرف خلال الشهر،
شرط ان تُلغى في الوقت نفسه كل العطاءات المترافقة مثل التنقل والمساعدات المدرسية…
ففي حينه تحدّد كلفة موحّدة لكلفة العمل، شرط الّا تتدخل الدولة في تحديد الشطور، ويقتصر دورها على تحديد الحدّ الأدنى فقط.
واقترح بدارو ان يكون الحدّ الأدنى مناطقياً، إذ لا يجوز ان يكون راتب من يعيش في الريف كمن يعيش في العاصمة،
علماً انّ هذا النظام متّبع في أكثر الدول تطوراً مثل المانيا.
ورأى انّ من شأن هذه الخطوة ان تحرّر العاصمة من التضخم وتخلق فرص عمل في الأرياف وتنمذيها.
ورأى انّ رفع الدعم والاسعار يرتبطان بالرؤية المستقبلية لاقتصاد لبنان،
ويستحيل اليوم استمرار العيش براتب 40 دولاراً شهرياً، هذا ضحك على المواطن.
واستمرار هذا الغبن سينعكس سلباً على الضمان الاجتماعي الذي لن يطول الوقت قبل ان ينهار اذا استمر الوضع على ما هو عليه.