بقلم هتاف دهام – لبنان 24
السؤال المشروع اليوم والذي يطرحه بعض السياسيين ويشغل بال اللبنانيين هو، لبنان إلى أين؟ فمع تراكم الأزمات لا يملك أي مرجع رسمي جرأة تصويب الحقيقة أو التصدي لكل من يقف عائقا أمام معالجة الأزمات والمشاكل المستفحلة بكل القطاعات، فما يجري لا يتعدى حرب الاتهامات السياسية بين المعنيين على خط التأليف الحكومي، والتي سرعان ما تنتهي عندما تلتقي الحسابات المصلحية وتقاسم الحصص والتسويات التي تكاد تكون العائق الأبرز أمام فتح ملفات الفساد على مصراعيها والوصول بها إلى الخواتيم المرجوة.
هذا الكلام يعني أن لا أحد على الإطلاق من المنظومة الحاكمة يريد بلبنان الخروج من النفق الأسود فليس هناك من بصيص أمل يوحي أن الأمور قد تسلك المسار الصحيح، فلسوء الحظ، وكما قال نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فريد بلحاج، في مقابلة مع وكالة “بلومبرغ”، لبنان السياسي ليس مهتماً أو راغباً أو قادراً على مساعدة نفسه، فهو بحاجة إلى مساعدة نفسه، حتى نتمكن من مساعدته”.
من الصرح البطريركي في بكركي، قال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في توصيف للواقع الراهن إن “العقد تتوالد فكلما حلّت عقدة برزت أخرى”، علما أن الرئيس عون بات يشترط ضرورة جلوس الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل للتفاهم على الحكومة ومشروعها ووزرائها، وهذا يعني أن حكومة الـ24 وزيرا التي لا ترقى لمستوى الطموح الباسيلي في ما خص عدد الوزراء والاسماء والحقائب، قد لا تبصر النور قريبا، وبالتالي فإن العقد أمام تشكيل الحكومة أشبه بلعبة تدور وتدور لتعود الى نقطة الصفر في بعبدا.
وصل معدل التضخم السنوي في لبنان إلى مستوى قياسي مرتفع. ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنحو
400
في المئة في كانون الأول، وهذه النسبة تواصل الارتفاع مع ارتفاع سعر الصرف وجراء أسوأ أزمة مالية تشهدها البلاد منذ عقود،
ومع ذلك لا تلتفت السلطة الحاكمة إلى هذه الارقام ولا إلى الكارثة التي تحل باللبنانيين
من دون استثناء وكأنها تنتظر إشارات من الخارج لتبني عليها في الداخل،
علماً أن المواقف الدولية والغربية والعربية أجمعت أن لا مساعدات للبنان من دون تلمس تغييرات حقيقية في مجال الإصلاحات.
حتى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان الذي سارع باسيل لانتقاء بعض عباراته دون سواها لـ”التعليم” على الحريري،
لم يميز في انتقاده الطبقة السياسية في لبنان التي يعد التيار الوطني الحر ركنا اساسيا فيها،
مشترطاً إجراء إصلاحات جوهرية في هذا البلد لمواصلة المملكة دعمها له، وهذا يعني بحسب مصادر مطلعة لـ”لبنان24″،
أن هناك شبه تأييد سعودي للمبادرة الفرنسية في ما يتصل بعناوينها الإصلاحية كافة،
والتي تطال في جزء منها قطاع الكهرباء الذي يعتبر أمرا بالغ الأهمية لمعالجة العجز،
في حين أن شبهات كثيرة تدور حول دور التيار البرتقالي في عرقلة إنشاء هيئة ناظمة مستقلة وغيرها من التدابير لتحقيق الكفاءة والشفافية والمساءلة في قطاع الطاقة،
ليبقى الأكيد أيضاً أن كلام بن فرحان أن المملكة مستعدة لدعم أي شخص في لبنان سيتمكن من تبنّي أجندة إصلاحية،
ليس جديدا. فالرياض التي وفق بن فرحان “لا تقف خلف أفراد في لبنان”،
لم تصدر يوما مواقف رسمية تؤكد دعمها الحريري دون سواه لرئاسة الحكومة،
بمعزل عن أنها في الفترة التي سبقت التسوية السياسية في العام 2016 كانت من أشد الداعمين للحريري، لكن تفاهم الأخير مع الرئيس عون وباسيل انعكس سلبا على علاقته بالمملكة.
وأمام تعطيل القوى السياسية لأية فرصة قد تنقذ البلد،
ثمة من لم ييأس من محاولات الاستجداء للخارج، فباسيل الذي لم تنجح محاولاته في استرضاء الأميركيين
وتعرض للعقوبات الاميركية بتهمة الفساد، يسعى عبر وسيط لبناني زيارة العاصمة الفرنسية
من أجل شرح وجهة نظرة من المستجدات في لبنان ووضع المسيحيين وحقوقهم،
أي تكرار مواقفه التي سمعتها منه السفيرة الفرنسية في بيروت وسمعها عدد من السفراء
الذين لم يقتنعوا بشروحات النائب العوني خاصة وان كل المؤشرات تدل بالنسبة اليهم على أن التعطيل
من مسؤولية باسيل الذي يعرقل التأليف من خلف الكواليس لغايات لا تتصل على الاطلاق بمصلحة البلد وانقاذه انما لحسابات شخصية.
إذا تبدو جلية محاولات البعض المضي في لعبة التسليف السياسي لهذا المحور أو ذاك وتبني خيارات غير موفقة،
لكن الثابت الوحيد أن الامور وصلت الى مهاوي الانقسامات السياسية والكل يلعب “الورقة الاخيرة” على قاعدة انا أو نحر البلد .