بقلم خالد ابو شقرا – نداء الوطن
العجب من حجم الفساد، وسرقة مليارات الدولارات من الأموال العامة، يبطلان مع معرفة أن حوالى 4 في المئة فقط من الصفقات العمومية تمت عبر إدارة المناقصات. أمّا الباقي، المقدّرة نسبته بـ 96 في المئة، فتم باستدراج العروض، والتراضي، وبموافقة لجان وزارية ليست صاحبة إختصاص.
وزارة الطاقة، ومشاريعها في بناء وحدات إنتاج الكهرباء واستيراد المشتقات النفطية واستجلاب البواخر… تصنّف الأكثر تجاوزاً لإدارة المناقصات في التفتيش المركزي. وهي إن لم تكن “المتهمة” الوحيدة من إدارت الدولة العامة، فان تخطّيها الأصول الإدارية والتفافها على الرقابة الفعلية، كانا الأكثر كلفة على الإقتصاد، سواء في مراكمة نحو 50 في المئة من حجم الدين العام، أو في تعطيل الإقتصاد، وحرمان اللبنانيين من حقهم بكهرباء 24/24.
الأمثلة عن مخالفات “الطاقة” لا تعد ولا تحصى. ولكن، أكثرها بروزاً كان ما “فجّره” مدير عام إدارة المناقصات جان العلّية في معرض دعوته التدقيق الجنائي الشامل للبدء من إدارته عموماً، وفي الصفقات التي تم الإفتراء فيها على موقع المدير العام خصوصاً؛ مرة بـ”التزوير” من النائب سيزار أبي خليل، ومرة بـ”الابتزاز بقصد الحصول على موقع” من النائب جورج عطالله. حيث اتهم الأخير العليّة بوقوفه في وجه “مناقصة” البواخر، مع العلم أنها لم تُجرَ بمناقصة إنما بصفقة.
هذه الحادثة التي تنم في الشكل والمضمون عن جهل بملف البواخر إذا أحسنّا النية، أو محاولة حرف الأنظار عن “جريمة” ارتكبت بحق الكهرباء والمال العام، إذا افترضنا سوء النية، فتحت أبواب الحقيقة على مصاريعها. ففي 4 نيسان من العام 2019 تمت الموافقة بقانون على مشروع بناء معامل إنتاج طاقة بطريقة BOT (التشييد والتشغيل ونقل الملكية). إلا أن هذا المشروع الذي كان مدرجاً ضمن خطة وزيرة الطاقة ندى البساتي، جرى “اختطافه باسم التصنيف، وتعطيله في وزارة الطاقة” بحسب العليّة. و”ذلك بعدما أخضعه المجلس الدستوري لنظام المحاسبة العمومية ونظام المناقصات، وليس لأي نظام آخر”. إذ أنه بعد وصول دفتر الشروط إلى إدارة المناقصات، طلبت الأخيرة رأي خبراء الإتحاد الاوروبي. فأتى الجواب التقني المحض أن الإستمرار بالحل الموقت، أي البواخر، مكلف وملوث للبيئة،
وهو يضرب الحل النهائي. واقترحوا زيادة 2 “توربين” يعملان على الغاز الطبيعي في الزهراني، لتوفّر الأرض وعدم الحاجة إلى استملاكات جديدة. وبذلك يضيف لبنان بعد 36 شهراً 1800 ميغاواط بدلاً من 1500 ميغاواط المقترحة بالخطة،
ويأخذ على المدى القصير 1000 ميغاواط. إلا أن إدارة المناقصات لم تكن تعلم أنها بهذا التعديل،
الذي تلغي فيه الحاجة إلى الحل الموقت، وتتعرض لـ”قدسية” البواخر… تخرق “المحرمات”.
كما أنها لم تدرك “خطيئة” إقتراح إضافة “التوربينات” إلى معمل الزهراني حيث الأرض متوفرة،
“إلا إذا كان هناك من لا يريد أن يضع المعمل في أرض لا تحتاج إلى الإستملاكات”، قالها العلّية،
غامزاً من قناة العناد على استملاك الاراضي في سلعاتا لبناء معمل. وبهذا، “طار” المعمل،
وحُرم البلد بحسب العليّة “من 1850 ميغاواطاً كانت ستضاف إلى إنتاج الكهرباء في نهاية العام 2022،
وتحقيق وفر على الخزينة يزيد عن مليار دولار، نتيجة التخلي عن الحل الموقت المتمثل في البواخر،
والإنتقال نحو الغاز الطبيعي، بدلاً من “الغاز أويل” الملوث المعتمد حالياً.
والذي بالمناسبة ألغت وزارة الطاقة “البارحة” مناقصة “الغاز أويل”، لان شروط الشركة المصنّعة لم يؤمّنها أحد”، كما كشف العلّية.
تعطيل هذا المشروع لأنه أُخضع للرقابة، كما يفهم من سياق الحديث،
فاقم أزمة الكهرباء. فـ”السير به قبل تشرين الأول من العام 2017 كان ليجذب الإستثمارات الأجنبية
ويضع حداً لهذه الأزمة المستفحلة”، برأي العليّة. و”أكثر من ذلك فقد كان وفّر مبالغ مالية هائلة،
في الوقت الذي تستجدي فيه مؤسسة كهرباء لبنان 200 مليون دولار.
حيث أن كل ميغاواط يتم الإستغناء عنه من الحل الموقت يوفر على الخزينة مليون دولار.
وفي حال تم الإستغناء عن كامل الحل الموقت الذي هو 1050 ميغاواطاً، يتم توفير مليار و50 مليون دولار”،
وبالتالي يُحل الجزء الأكبر من أزمة الكهرباء.
“إذاً، جان العلّية حال دون هذا التوفير يجب أن يحاسب”، قالها المدير العام بفخر.
مناشداً دولة رئيس مجلس النواب “إستبدال لجنة تقصي الحقائق التي أنشئت في وزارة الأشغال، بلجنة تحقيق برلمانية،
تواكب عملية التدقيق الجنائي ابتداءً من إدارة المناقصات”. على أن يتم بالتزامن مع التدقيق الجنائي الشامل أو من ضمنه،
تحديد المسؤوليات عن المخالفات والإنحرافات القانونية والإدارية وتحديد الآثار الناجمة عن الإرتكابات على الصعيد المالي،
البيئي، الإقتصادي والإجتماعي.
في فورة تشريع قوانين المحاسبة ومحاربة الفساد، يغيب عن البال المادة 112 من قانون المحاسبة العمومية
التي تنص على أن الوزير مسؤول شخصياً عن كل نفقة يعقدها في حال تجاوز حدود الإعتمادات المرصودة لوزارته.
“كيف بالحري إذا ثبت من خلال التدقيق المالي أو الجنائي أو أي نوع من أنواع المحاسبة،
عقد الوزير نفقات لا يوجد أي ذكر لها في الموازنة، وكانت ناتجة عن أخطاء أو أهواء شخصية؟”، يسأل العلّية.
“وهنا يجب تحديد قيمة الضرر وقيام وزارة المالية باصدار أمر التحصيل اللازم لإعادة هذه الأموال.
فكما يعوض مسبّبو التلوث للبيئة والإنسان من مالهم الخاص عن الأضرار التي تسببوا بها،
عملاً بقواعد المسؤولية، يتوجب على المسؤولين التعويض بالطريقة نفسها”.
قد يقول قائل إن مناقصة الزهراني لم تحصل، وهذا “عذر أقبح من ذنب”.
فلو سارت الوزارة بالمناقصة منذ أوائل العام 2019 لكنا “على قاب قوسين أو أدنى”،
من تأمين 50 في المئة إضافية على أقل تقدير من حاجاتنا الكهربائية، ووفرنا مئات مليارات الدولارات بشكل مباشر،
وغير مباشر من خلال تحريك الإقتصاد.