بقلم نقولا ناصيف – الأخبار
ما حدث في قصر العدل وفي الشارع جزء أساسي أيضاً من تصفية حساب مؤجل وعالق بين رئيس الجمهورية ومجلس القضاء الأعلى، مذ وضع الأول في أدراجه مشروع تشكيلات قضائية أعدّه الثاني في 5 آذار 2020، اعترضت عليه وزيرة العدل ماري كلود نجم في كتاب وجهته إلى المجلس في 10 آذار وأعادته إليه، فأصر عليه في 16 آذار رغم تحفظاتها. وقعته وأرسلته إلى الرئيس فأضحى في «الجارور». لم يتزحزح مجلس القضاء عن تشبّثه بالتشكيلات كما وضعها، وليس لأي أحد أن يرغمه على أن يفعل، ولا تخلى رئيس الجمهورية عن حقه غير المقيد بمهلة ملزمة في عدم إصدار مرسوم عادي لا يتضمن موافقته عليه.
لكليهما صلاحيات غير مقيِّدة عاندا بالتمسك بها، على نحو مطابق تماماً لما يحدث في تأليف الحكومة بين عون والحريري: لا الأول قادر على إطاحة الثاني، ولا الثاني يمكنه تأليف حكومة بلا موافقة الأول. بذلك، على نحو الأبواب الموصدة التي تتعذر معها التسويات والحلول، تنتقل البلاد من مأزق إلى آخر.
ومع أن الشق السياسي في أزمة قصر العدل غير مكتوم. إلا أن الشق القضائي لم يكن أقل شأناً. ساهم في تسعير الخلاف، وتغليب الحسابات السياسية على طريقة مقاربة النصوص القانونية وتطبيقها في إدارة القضاء نفسه. مشكلة لم يفتعلها القاضيان المعنيان فحسب، بل انخرط فيها أيضاً مجلس القضاء الأعلى، المعلّق اليوم على ما يشاع عن ترويكا قضائية، صورة طبق الأصل عن الترويكا السياسية المجسَّدة في مثالثة تمنح أصحابها حق الفيتو. رؤوسها ثلاثة قضاة كبار هم المعنيون بالأزمة الحالية، مثلما كانوا معنيين بالتشكيلات، مثلما هم أبناء مرجعياتهم السياسية لا تفارقهم بصماتها: رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود والمدعي العام التمييزي غسان عويدات ورئيس هيئة التفتيش القضائي بركان سعد.
في التشكيلات القضائية المعطلة حصلت المرجعيتان السياسيتان السنّية والشيعية على حصتيهما فيها،
فيما لم يُعطَ رئيس الجمهورية – الشريك المفترض في الترويكا القضائية – حصته،
فأُخرِج القضاة المحسوبون عليه من المناصب الموازية لرفاقهم، ما حمله على حجز المرسوم. في ما حدث أخيراً ليس
بعيداً عن إرادة المواجهة التي رافقت التشكيلات القضائية، ولم تكن تلك مصوّبة سوى إلى رئيس الجمهورية.
وخلافاً لسابقة معلومة في أيار 2013، عندما عارض مجلس القضاء الأعلى برئاسة القاضي جان فهد قرارات للمدعي العام
التمييزي القاضي حاتم فهد وحمله على التراجع عنها،
وكانت طاولت قاضيين، ذهب المجلس الحالي في وجهة معاكسة توخّت الاصطدام بالمدعي العام الاستئنافي لجبل لبنان القاضية غادة عون بتبني قرار عويدات.
حينذاك انضم وزير العدل شكيب قرطباوي إلى مجلس القضاء، وطالب ماضي بالتراجع عن قراراته،
مستنداً إلى سلطته التي تخضع قضاة النيابات العامة ورؤساءهم إليه هو عملاً بالمادة 45 من المرسوم الاشتراعي
رقم 150 الصادر في 16 أيلول 1985 (قانون القضاء العدلي).
سلطة وزير العدل في المادة 45 منقولة حرفياً عن المادة 5 من القانون الفرنسي
رقم 1270/58 الصادر في 22 كانون الأول 1958 في ظل الجمهورية الفرنسية والرئيس شارل ديغول.
سرعان ما اكتسبت هذه المادة، وقوة سلطة الوزير فيها، أهميتها من تكريسها في قرار للمجلس الدستوري الفرنسي
في 8 كانون الأول 2017، عندما اعتبر نص المادة الخامسة في القانون 1270/58 دستورياً.
ما فعله قرطباوي كان في وسع وزيرة العدل أن تفعله أيضاً.