بقلم سمر فضول – الجمهورية
اثنان لا ثالث لهما، يسعيان الى استمرار حال «الفوضى» المالية التي يتخبّط بها لبنان اليوم: المصارف التي تعمل جاهدة على وضع العثرات في وجه كلّ مشروع ينظّم عملها ويقَوننه، وجهات سياسية تتلطّى خلف الحكومة الحالية تسعى الى عرقلة كلّ اقتراح يتعلق بقانون «الكابيتال كونترول»، لترميه في ملعب المجلس النيابي فتضيع «الطاسة»، وتستمر حال الفوضى في التفشي، وكلّ ذلك على حساب المواطنين عموماً والمودعين خصوصاً!
يبدو أنّ وجع الناس، وحال الفقر والبطالة، كلها عوامل لا تقف حاجزاً أمام جشع بعض الجهات المصرفية والسياسية، فتعمد الى افتعال الأزمات و»الحرتقات» للتشويش على كلّ مشروع قد يصبّ في مصلحة المواطن ومن خلفه المودع. آخر تلك «الابداعات»، شروع تلك الجهات في تسريب مسودة اقتراح قانون الكابيتال كونترول التي أعدّتها اللجنة الفرعية المنبثقة من لجنة المال والموازنة، والتصويب عليها، متغاضية بذلك عن المصالح والفوائد التي يحققها هذا المشروع على الصعيدين المحلي والدولي.
تؤكّد مصادر هذه اللجنة الفرعية لـ»الجمهورية» أنّ «اقتراح قانون الكابيتال كونترول المسرّب، والذي يتم التشهير به، هو إحدى المسودات التي تمّ تداولها بين لجنة المال وأعضائها من جهة والمصارف ومصرف لبنان والوزارات المختصّة من جهة أخرى… وتالياً، هذا ليس المشروع النهائي، ولكنه يتضمّن بنسبة كبيرة معالم المشروع النهائي الذي تمّ التوصل اليه».
تتحدث المصادر عن فوائد المشروع حيث «يصبح المودع، والطالب، وكلّ مواطن محجوزة أمواله لدى المصارف، قادراً على التصرف ولو بجزء منها. أبعد من ذلك، يعيد المشروع الثقة بالنظام المصرفي التي فقدها مع المودعين الذين تعبوا من إهمال المصارف وتبريراتهم غير المقنعة والتي تكشفها التحويلات المالية وبالعملة الخضراء، فعبر المودع على طريقته، وشهدنا اعتصامات تخللتها إشكالات عند ابواب المصارف، ولجأ آخرون الى القضاء الذي غرّم مصارف عدة بعد كشف زيفها.
أضف الى كلّ ذلك، إن إقرار القانون يضعنا على السكّة الصحيحة في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، خصوصاً أنّ اللجنة احتكمت الى ملاحظاته التي يتلاقى معها القانون بأكثر من 80 في المئة. وعليه، تضيف المصادر، «يصبح إقرار الكابيتال كونترول مفيداً لا بل حاجة وطنية إنقاذية، حتى ولو جاء متأخراً، لأنّ الصندوق لن يموّل لبنان الا إذا ضَمِن أنّ الأموال لن تهرّب بطريقة غير مشروعة».
ويلخّص المصدر أبرز بنود المشروع، كالآتي:
ـ حظر التحويلات المصرفية إلى الخارج، مع بعض الاستثناءات: التعليمية، والصحية، وتسديد أقساط وقروض سكنية، وضريبة دخل.
– تحديد سقف السحوبات للمودعين بمبلغ 20 مليون ليرة لبنانية شهرياً من مجمل حساباته في المصرف. مع الإبقاء على السحوبات النقدية للرواتب خارج السقف المحدد.
– يجوز لأصحاب الودائع بالعملة الأجنبية ان يؤمّن لها سحوبات نقدية شهرية بالعملة الاجنبية لا تتعدى قيمتها 50 % من قيمة السحوبات بالليرة اللبنانية المُشار اليها سابقاً، وتدخل ضمن المبالغ القابلة للتحويل الى الخارج وفقاً لأحكام المادة الثالثة.
– معاقبة أي مصرف لا يتقيّد بأحكام القانون بإحالته على الهيئة المصرفية العليا سنداً لأحكام المادة 218 من
قانون النقد والتسليف، التي قد تصل عقوبتها إلى درجة شطب المصرف المخالِف من لائحة المصارف.
ولكن، وإن كانت لهذا القانون كلّ هذه الفوائد، فلماذا قد ترفضه المصارف،
وتحرم المودعين من الاستحصال على بعض حقوقهم المسلوبة!
هنا، توضح المصادر أنّ «لدى المصارف ثلاثة اعتراضات:
الأوّل، أنها غير قادرة على تمويل الإستثناءات، كالسحوبات النقدية والتي لا تتعدى الـ 20 مليون للمودع شهرياً.
والثاني، أنها غير قادرة على الدفع بالدولار! في حين أنّ المطلوب منها إنشاء منصة جديدة، والسماح للمودعين بسحب أموالهم
بالدولار بنسبة معيّنة.
والثالث، بند العقوبات.
وفي اختصار، تؤكّد المصادر أنّ «كل ما يُعيد للمودعين بعضاً من حقوقهم هو محور اعتراض لدى المصارف،
مع العلم أنّها تجري تحويلات الى الخارج، تحت شعار تحويلات تعليمية بقيمة 244 مليون دولار سنوياً (المستند المرفق)،
وهنا علامة استفهام حول الكلفة التعليمية من جهة والإستنسابية من جهة أخرى».
وتسأل المصادر: «من أين جاءت المصارف بهذه المبالغ وكيف لها أن تجري التحويل الى الخارج وهي غير قادرة
على إعطاء سحوبات نقدية للمودعين في الداخل؟ وفي المقابل لماذا ترفض قَوننة
هذا القطاع طالما أنها قادرة على دفع مبالغ كهذه؟ وأين الظلم والغبن هنا؟».
أما القنبلة التي فجرتها المصارف خلال اجتماع لجنة المال فكانت، بحسب معلومات «الجمهورية»،
موافقتها على تحويل 25 في المئة شهرياً لأصحاب الودائع بالعملة الأجنبية.
وتختم المصادر: «الواضح، أنّ المصارف لا تريد التزام القانون، بل تسعى للإبقاء على حال الفوضى والاستنسابية، بعيداً من القانون».