المصدر: ليبانون ديبايت
حين بدأت فرنسا تروّج لاحتمالات إدراجها لمسؤولين لبنانيين على قوائم العقوبات بتهمة عرقلة تأليف “حكومة مهمّة”، وضع البعض منهم الكلام بمنزلة التهديد، فيما آخرون كانوا يسخرون، واعتبروا بأنه ليس سوى “كلام فارغ”، وقد تسلّحوا بغياب الإجماع الأوروبي، ثم ظنّوا أن ما يتردّد يأتي في سبيل تصريف الغضب الفرنسي ربطاً بإسقاط مبادرتهم، إلى أن فاجأ الفرنسيون الجميع وأعلنوا أنهم في صدد وضع اللوائح الإسمية لمنع دخول هؤلاء المخلّين بالآداب السياسية العامة باريس، فعمّت الفوضى الأرجاء اللبنانية!
جاء كلام وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بمثابة الصاعقة التي نزلت على الرؤوس الحامية. قال إن فرنسا بصدد اتخاذ إجراءات لتقييد دخول أشخاص يعرقلون العملية السياسية في لبنان إلى الأراضي الفرنسية، كذلك ستشمل القيود من يُتهمون بقضايا فساد. وما هي إلا ساعات حتى نشطت الإتصالات من كل جانب لاستطلاع مضمون كلام المسؤول الفرنسي، وهل فعلاً باشرت باريس بوضع لوائح أم أن الإعلان عبارة عن كلام يأتي بمنزلة الضغط على المسؤولين السياسيين؟
عملياً، باريس انصرفت عن إعتماد لغة الضغط غير المفيدة، جرّبتها طوال 8 أشهر من عمر مبادرتها، والنتيجة “صفر مكعّب”، الآن حلّ زمان العقوبات التي اعتقدَ البعض بأن طرحها غير جاد، وحين رأت فرنسا صعوبةً في إمرار ما تصبو إليه على المستوى الأوروبي، إتخذت القرار باللجوء إلى خيارات بديلة أحادية الجانب، عملياً تأتي بالنتيجة ذاتها، وعلى الأرجح، ستحذو دول أوروبية أخرى الحذو الفرنسي حين بلوغ ساعة الصفر.
المتوقّع الآن، بحسب المعلومات، أن يزور الوزير الفرنسي بيروت في موعد أقصاه الأسبوع المقبل، على أن يمكث في العاصمة اللبنانية لمدة يومين، وعلى الأرجح، وربطاً بالتطورات الأخيرة، لا يُخطّط لودريان للحضور إلى بيروت على بركة دفع القوى السياسية إلى تأليف حكومة، بل في جعبته بلاغات “عقابية” سيتولى تعميمها حيال القيود التي تحدثَ عنها، وربما بلاغات مباشرة إلى معنيين على صلة بالإجراءات بصفتهم مدرجين محتملين.
في الطريق إلى ذلك، بدا خلال الساعات التي تلت الكلام الفرنسي، أن ارتفعت الحرارة على خطوط الإتصال الحكومية، وثمة من يعتقد أن هذا التنشيط يأتي للحؤول دون تحوّل القيود الفرنسية إلى أمر واقع. وعليه، يعتقد هذا البعض أنه، ومن الضروري تفعيل المبادرات والمساعي الموجودة على الطاولة، وفق ما رشّحت بكركي نفسها لتأديته من دور لقضم المساحات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف بهدف جمعهما، وفي خطوة لاحقة جمع المكلّف مع النائب جبران باسيل، ومبادرة جنبلاط ـ بري القائلة بحكومة من 24 وزيراً، فهل يرد “جمل” الحكومة تحت عوامل التهديد والضغط المكثّف، ويُصار إلى إنجاز تشكيلة “على الساخن” و “كيفما كان”…؟
المؤشرات، وعلى أهميتها لا توحي بذلك، أقلّه حتى الساعة، بدليل أن الإتصالات ما زالت محصورة ضمن نطاق تسويق تشكيلة الـ24 ، إذ يبدو أنها لا تحظى بإجماع حتى الآن. وينسحب ذلك على القضايا الأخرى، إذ وفي حالة القبول، ثمة مشكلة تُختصر في الخلاف على توزيع المقاعد المسيحية، لا سيما الحادي عشر والثاني عشر، وإلى من سيؤولان، وهل سيكونان بضمانة بكركي التي ستحوز صلاحية إجراء “فحص دم” حيال حياد الوزيرين، أم سيكون هناك ضمانة أخرى؟ وكيف ستكون آلية التوزيع، ولمت ستؤول تسمية هذين الوزيرين تحديداً، هل ستأتي بالإشتراك بين الرئيسين عون والحريري على قاعدة الإتفاق على إسم من ضمن قائمة تتولّى بكركي تنقيحها، أم سيركنان إلى رأي الأخيرة التي ستختار تمثيل النواب المسيحيين المستقلّين كمخرج، كما سبق وأبلغ البطريرك الراعي خلال لقائه رئيس الجمهورية؟
بالعودة إلى الإجراءات الفرنسية، بدا واضحاً أن الكلام عن عقوبات لم يكن مجرّد تهويل، وبالتالي،
فإن فرض قيود على مسؤولين لبنانيين بحال حصل، يندرج ضمن خانة العقوبات.
وبحسب مصادر متابعة للملف اللبناني في باريس، فإن إدراج قيود سفر على مسؤولين لبنانيين لا يحتاج إلى قانون عقوبات،
على غرار قوانين العقوبات الأميركية، بل يكفي صدور قرار عن الحكومة الفرنسية عبر وزارة الداخلية معلّلاً بالتبريرات
والدوافع التي أملت على الحكومة الفرنسية إتخاذ قرار بهذا الشأن. وفي اعتقاد المصادر، أنجزت باريس اللوائح الإسمية
لكون المعرقلين معروفين بالإسم، وليس هناك من داعٍ لإجراء جردة أو بحث وتنقيب لكون باريس باتت تمتلك “داتا”
كاملة حول كافة المتورّطين وأدوراهم حيال إسقاط مبادرتها، لكنها تتحفّظ عن إبلاغهم عبر الإعلام.
وفي إعتقاد المصادر، أن هذه المهمة سيتولاها على الأرجح السيّد لودريان حين يزور بيروت.
لكن المصادر من باريس، ألمحت إلى أن بعض السياسيين “المعاقبين” في لبنان،
على الأكيد باتوا في صورة الإجراء الفرنسي بحقّهم ربطاً بعلاقاتهم السياسية في باريس. وفيما فضّلت الأوساط عدم النطق
بأي إسم، إسترعى الإنتباه ما أشاعه رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري قبل أيام عبر أوساط إعلامية قريبة منه،
حيال احتمالات إعتذاره، وقد ربطت مصادر سياسية واسعة الإطلاع في بيروت “التسريبة الحريرية”
باحتمالات ورود شيء إليه من العاصمة الفرنسية، فبادر إلى تعميم احتمالات الإعتذار كنوع من أنواع ردّ الفعل،
أو استباق ما يمكن أن يحصل، أي شمله ضمن القيود، في محاولة منه للدفع نحو تأخير أي خطوة محتملة،
سيّما وأن فرنسا، بحسب المصادر، تُدرج الحريري في خانة المعرقلين،
ربطاً بمساهمته في دفع السفير مصطفى أديب إلى الإعتذار عن تأليف الحكومة،
ما مثّل الضربة التي قضت تدريجياً على المبادرة الفرنسية، ثم بعد ذلك في المساهمة وتوفير أسباب وظروف تأخير التأليف.
وفي السياق ذاته، لا يمكن إعفاء لجوء رئيس “تكتل لبنان القوي” النائب جبران باسيل،
إلى الخطوة نفسها عبر الاستفادة من خدمات صديقه وزير خارجية المجر بيتر سيارتو، الذي زار بيروت قبل أيام بمهمة واضحة،
وهي “توفير مظلة حماية إلى جبران باسيل”، على نية تحصينه من أي إجراء عقابي أوروبي تسعى خلفه فرنسا،
بدليل أن الوزير المجري، أبدى رفضاً قاطعاً لأي خطوة لوضع أكبر حزب مسيحي على لوائح عقوبات أوروبية مفترضة،
وهو ما أتاح للمصادر المتابعة للملف اللبناني من باريس، الإعتقاد أن خطوة باسيل جاءت أيضاً استباقاً
لأي خطوة فرنسية محتملة ضدّه عبر إحاطة نفسه بحماية ذات وزن أوروبي معيّن