ليبانون ديبايت” – عبد الله قمح
نظريًّا، يُعدّ رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب، فائزاً من حالة المراوحة واللاحكومة التي نشهدها، وهذا بديهي لكونه سيبقى على رأس أعماله مدّة غير معروفة من الزمن، وهو فعل يُفترض أن يكون محلّ ترحيب لدى من يشغل المنصب الثالث على مستوى الدولة اللبنانية. لكن في المضمون، فإن دياب غير متقبّل لهذه الحالة ربطاً بالتحديات المحيطة بها ودرجات الخطر المردودة عليه، واستطراداً على البلاد. يرفضها على نحوٍ كامل وهذا حقّه طالما أن السلطة تريد رمي كل موبقاتها عليه. وفيما لو عادت الامور إليه، لكان غادر موقعه غير آسفٍ، لكن ليس من خلفية الفرار من المسؤولية بل الإستياء من طبقة أحرجته فأخرجته!
يثبت في كل يوم أن حسان دياب حاجة. صحيح أنه منقطع عن تصريف الأعمال بمعناه الواسع المطلوب سياسياً، ويكتفي بإدارة الإنهيار على طريقة اللجان والإجتماعات، لكن إدارة الفراغ في بلد مقبل على انهيار كامل، وفي كافة القطاعات، لهو أفضل حالٍ من الفراغ نفسه.
ووجهة النظر هذه التي كانت تجد من يتبنّاها داخلياً، أضحت الآن محل قبول من قبل الخارج، الذي بات في مكانٍ يرى فيه أن بقاء حسان دياب في موقعه يحدّ من كلفة الإنهيار، التي يُفترض أن هذا الخارج سيتكبّد ثمنها لاحقاً، أي حين يُباشر برفع الركام والشروع بعملية إعادة البناء، ثم أن ثباته اليومي في نفس الموقع، أضحى حاجة في ظل عرقلة تأليف الحكومة، على قاعدة تسيير المرفق العام.
من السابق لأوانه، الإقرار بأن حسان دياب باقٍ حتى أفول شمس العهد، على الرغم من ذلك، ثمة من تساوره شكوك حول أن بقائه سيمتدّ حتى عام ونصف من تاريخه، وربما أكثر، أي حتى نهاية العهد، وفي تلك الحالة، قد يصلح دياب لإدارة الفراغ الرئاسي بحكومة تصريف أعمال، ستوجب اللحظة السياسية عليه أن يوسّع مستوى حضورها، فهل نصل إلى تلك المرحلة؟
نظرياً نعم، في ظل حالة الخواء السياسي التي نُعاني منها، ودولياً أيضاً نعم، في ظل الإقرار الدولي بأن مسألة تأليف الحكومة خرجت من الإطار المنطقي، وأضحت كحالة تجاذب وعامل تأزيم سياسي داخلي لا يجد طريقه نحو الحل في ظلّ حالة الإشتباك القائمة في الاقليم. وبهذا المعنى، ثمة من يعتقد أن دياب، ربما سيُعاد تجديد الثقة به دولياً في مرحلة لاحقة، أي حين يصبح الإقرار بفقدان أي إمكانية لتأليف الحكومة جديدة وبضرورات حضوره كبديل عنها، أمراً مفروغاً منه.
ويُقال أن التمهيد إلى ذلك قد بدأ فعلاً في أعقاب زيارة وكيل وزارة الخارجية الأميركية ديفيد هيل،
إلى بيروت مؤخراً. فصحيح أن هيل تناول قضايا على صلة بعملية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي،
ومصير المفاوضات غير المباشرة بينهما، وإبرام صفقة قضت بالتنازل عن إدخال تعديلات
على المرسوم 6433 مقابل إستئناف المفاوضات من المكان الذي توقفت منه،
لكن هيل تناول أيضاً مسائل إجرائية على علاقة بالحكومة المستقيلة. فالمطّلعون على الزيارة،
لا يخفون في مجالسهم، أن هيل طرح خلال لقاءاته تساؤلات عميقة حيال الخيارات المتاحة لمساعدة لبنان
من منظور الساسة الذين التقاهم،
وقد شدّد بأن المساعدة تحتاج إلى حكومة، لكنه ألمحَ في مكان آخر، أنه وفي لحظة الإقرار بصعوبة تأليف حكومة،
فإن التعاون مع الحكومة الحالية لهو أمر مطلوب بل بديهي، وهذا يعني من منطلق سياسي أن حكومة تصريف الأعمال،
مرشّحة لنيل تفويض عام حين يقرّ الخارج بأن تأليف حكومة بمعزل عن ولادة تسوية لأمر صعب!
والجو الفرنسي غير بعيد من هذه التوجّهات. وباريس التي تستعد لفرض قيود على معرقلي تأليف الحكومة، ستجد،
في تقدير متابعين، أن لا حائل دون منح الغطاء لتفعيل الحكومة المستقيلة،
أي حكومة تصريف الأعمال وتوسيع نطاق تصريفها بمعية داخلية، كردّ على عرقلة التأليف،
ففي النهاية باريس لن تتحمّل كلفة الإنهيار في ظل ملاحظتها أن التأخير في تأليف حكومة يزيد من المصاعب ويعقّد الأمور،
وهذا تفسيره بالنتيجة أن تفعيل الحكومة الحالية سيحدّ من الإنهيار، ما يسري أيضاً على مناخات سياسية، داخلية وخارجية،
بدأت تضغط باتجاه إقناع حسان دياب بتوسيع هوامشه في تصريف الأعمال إلى حدٍ يتجاوز الأقصى،
لكن الأخير ما زال عند رأيه ولم يحيد، يطلب تفويضاً من قبل القوى السياسة كشرط.
وصورياً، بدأ في الداخل، وبشكلٍ ما، التفعيل المنشود، بشهادة توسيع رقعة اللجان واجتماعات اللجان المنبثقة عن الحكومة،
وثمة من يعتقد أنه، وفي مرحلة لاحقة، سيتحوّل هذا التفعيل إلى أمر واقع لا مفرّ منه وبمن حضر من وزراء،
على قاعدة أن لجم الإنهيار يحتاج إلى اللجوء لاعتماد خيارات انتحارية.