بقلم آلان سركيس – نداء الوطن
يُشكّل شهر آب من كل عام مناسبة يُجدّد فيها مجلس الأمن الدولي لقوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب “اليونيفيل” لمدّة عام واحد وذلك وفقاً للقرار 1701 الذي أنهى حرب “تموز” وكرس وقف إطلاق النار والعمليات العسكرية ورسم الخط الأزرق ودعا الحكومة اللبنانية لاستعادة سيادتها على كامل أراضيها ومراقبة حدودها البرية والجوية والبحرية واعداً بتقديم المساعدة اللازمة عندما يتطلب الأمر ذلك. عند كل إستحقاق من هذا النوع يطمح لبنان إلى تثبيت قواعد عمل “اليونيفيل” في حين أن قرار توسيع مهامها وزيادة فعالية تدخلها ودورها كان مطلباً أميركياً العام الماضي، وتُصر واشنطن على منحها صلاحيات أوسع بكثير نظراً لأن “حزب الله” يستكمل عمله الأمني وكأن لا وجود لأكثر من عشرة آلاف عسكري لبناني ومثلهم من قوات “اليونيفيل”.
وكانت فرنسا هي من تبادر إلى طرح مشروع التجديد لـ”اليونيفيل” وتجري إتصالات دولية مع الولايات المتحدة الأميركية والدول الفاعلة من أجل الحفاظ على الستاتيكو القائم في الجنوب لأن عدم التجديد لهذه القوات سيحدث فراغاً أمنياً من الصعب تعويضه. والجديد في الموضوع أنه وخلال الزيارة “التوبيخية” والتحذيرية الأخيرة لوزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان إلى لبنان الأسبوع الماضي لمّح الوزير الفرنسي إلى نقطة أساسية وجوهرية قد تبدّل الوضعية الجنوبية، ومفادها أنه إذا إستمرّ حكّام لبنان بالإمعان بالتعطيل، وهنا يقصد بشكل أساسي الأكثرية الحاكمة بزعامة “حزب الله” و”التيار الوطني الحرّ”، فان فرنسا قد تقوم بخطوات كثيرة أبرزها أنها لن تأخذ على عاتقها موضوع التجديد لـ”اليونيفيل” هذا العام ولن تتبنى هذا المشروع. للوهلة الأولى، يظن من يسمع هذا الخبر أنه عادي ولا يحمل أي تردّدات، أي أنّ أي دولة أخرى قادرة على طرح مشروع التمديد لـ”اليونيفيل”، لكن من يتمحّص أكثر بالخبر يُدرك جيداً أن ما لمّح إليه لودريان خطير جداً. وتكمن الخطورة من التخلي الفرنسي عن هذا المشروع خصوصاً أن عدم التمديد لـ”اليونيفيل” سيترك أثراً كبيراً على الجنوب اللبناني، بمعنى أن هناك فراغاً أمنياً كبيراً سيحصل هناك ولا يستطيع الجيش اللبناني المنهك بمهماته على الحدود السورية وفي الداخل تغطية المنطقة لوحده، عندها قد يستغل أي فريق الفراغ ويوتر الوضع في الجنوب.
أما النقطة الثانية في تحذير لودريان فموجهة بشكل أساسي لـ”حزب الله”، ومعناها أن فرنسا تستعمل النعومة مع “الحزب” والمحور الذي يمثّله، وتخلّي باريس عن طرح التمديد لـ”اليونيفيل” سيجعل واشنطن هي التي تتحكّم بهذا الموضوع وستسير باريس بما يقرّره الأميركي، وهذا يعني أيضاً أن فرنسا ستصوّت على أي مشروع قرار أميركي في مجلس الأمن الدولي يقضي بتوسيع مهام “اليونيفيل” أو تحديد عملها تحت الفصل السابع في حين أنّها تعمل حالياً تحت البند السادس، والبند السابع يعني تجهيز “اليونيفيل” لتصبح قوّة عسكرية تستطيع التدخّل ساعة تشاء، وربما قد يصدر قرار بشمول مهماتها الحدود اللبنانية – السورية.
وإذا كان “حزب الله” يتّكل في السابق على الموقف الروسي، إلا أنّ الفرنسي أبلغ من التقاهم وجود توافق فرنسي- روسي على الملف اللبناني، واستطراداً فان التنسيق الأميركي- الروسي يتمّ على أكمل وجه، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو من أكثر الرؤساء في العالم الذي يهمه أمن إسرائيل وسلامتها، لذلك فانه متفاهم مع الأميركي حول هذه النقطة، ولن تستعمل موسكو حق النقض “الفيتو” في وجه قرار من هذا القبيل. حذّر لودريان من جهنم مقبل على لبنان، وربما يكون الجنوب هو باب هذا الجهنم على القوى المعرقلة التي تسرح وتمرح من دون حسيب أو رقيب، وبالتالي فان الجنوب قد يكون مقبلاً على تطورات دراماتيكية لا تقتصر فقط على ترسيم الحدود مع إسرائيل إنما على تغيير في قواعد اللعبة الدائرة منذ عام 1967.