خيارٌ خاطئ” تسبّب بأزمة لبنان

المصدر: ليبانون ديبايت

كتب بولس عيسى:

من يتابع تطورات الأزمة في عمقها وبعدها السياسي البحت في لبنان، يجد أن هناك تساؤلاً شائعاً لدى عدد كبير من الناشطين السياسيين في البلاد وهو: هل نحن نعاني من أزمة نظام أم أزمة حكم في لبنان؟

في هذا الاطار، رأت اوساط سياسية عريقة، أننا إذا ما أردنا الإجابة بشكل علمي على هذا السؤال، علينا أولاً بعرض المشكلة كما هي بشكل موضوعي، ومن دون أية أحكام مُسبقة مبنيّة على خلفيات سياسية أو تعميم أحمق، يخلط الحابل بالنابل وجلّ ما يقوم به هو تجهيل الفاعل.

وسألت الأوساط :أيّهما من الأنظمة في لبنان كان أكثر تصلباً ؟ أهو نظام الجمهورية الأولى أم الثانية؟ أياً من هذين النظامين كان أكثر انفتاحاً ويجيز بشكل أكبر للجميع المشاركة في الحكم والقرار؟

ولفتت الأوساط إلى أن القاصي والداني يدرك أن نظام الجمهورية الأولى، كان أكثر شدّة وتصلّباً ، وكان يحصر القرار والحكم في فئة من اللبنانيين أكثر ممًا كان لدى فئات أخرى ، إلاّ أن الجمهورية الأولى، كانت أكثر إنتاجيةً وريادةً ونجاحاً من الثانية، والسبب لا يرتبط أبدا بدستورها وطريقة حكمها وإنما برجالاتها.

وأوضحت هذه الأوساط، أن نظام الجمهورية الثانية لم يُطبّق كاملاً حتى يومنا هذا، فكيف لنا الكلام عن أزمة نظام في حين أن هذا النظام غير مطبّق بكامل نصوصه في الأساس، كما أن الجمهورية التي نتكلم عنها اليوم، مبتورة عرجاء ناقصة السيادة وتفتقد القرار الإستراتيجي، الأمر الذي كانت تتمتع به الأولى بشكل كامل وراسخ.

من جهة أخرى، أردفت الأوساط، فإن سبب اعتلال الجمهورية الثانية ليس أبداً النظام ، الذي لو طُبّقت نصوصه، لكنّا اليوم في جمهورية أخرى تماما، علماً أن السبب لم يكن يوماً في النظام بل في رجالات هذا النظام أو بالأحرى، رجالات هذه الجمهورية أنفسهم.

وشدّدت الأوساط، على أن الأساس في حكم الأوطان وقبل الدساتير، هم القادة أنفسهم ، فعلى سبيل المثال فإن الدستور في الولايات المتحدة لم يتغير، ونجد كيف أن واشنطن تمرّ في بعض الأحيان بأزمات وتتعرّض لنكسات سياسية كبيرة ويتراجع دورها على الساحة الدولية، لكنها وعلى الرغم من أزماتها، تتقدّم سياسياً وتأخذ دفة القيادة في قضايا دولية، ومردّ ذلك شخصية القادة، وليس النظام أبداً، وإنما في أسلوب الحكم في ظلّ القوانين ذاتها.

وتساءلت الأوساط عن سبب تراجع أوروبا سياسياً على الساحة الدولية، فهل سببه تغيّر الأنظمة التي لم تتغيّر، أم فقدان القادة بالمعنى الفعلي للكلمة، والذين كانوا يفرضون أنفسهم على الساحة الدولية بقيادتهم؟

وأوضحت أن مشكلة النظام، تقوم عادة في بلدان تسودها نزاعات داخلية تهدد وحدة شعبها وأراضيها، مثل يوغسلافيا التي انتهت إلى تفكّك الدولة، فهل هناك من أمر مماثل اليوم؟
واعتبرت الأوساط، أن من يتكلم من الناشطين عن أزمة نظام في لبنان، وخصوصا الذين يدّعون أنهم يؤيدون ثورة ١٧ تشرين، إنما يناقضون أنفسهم والثورة التي قامت، وقدمت صورة أولية للعالم وهي وحدة الشعب من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، بينما ما نشهده على مستوى تأليف الحكومة، مثلاً هو أزمة حكم وليس النظام وعمقها وجوهرها وأساسها وتفرعاتها في الأشخاص.

وعلى سبيل المثال، بحسب الأوساط، لو كنا نعيش اليوم في بلد آخر يحكمه قانون آخر، فهل كانت هذه الأكثرية الحاكمة اليوم، ستكون نزيهة وشفافة، أم أنها كانت ستمارس الحكم بالطريقة نفسها التي تمارسها في لبنان والتي أوصلت البلاد إلى الإفلاس؟

وأكدت الأوساط أن سبب الأزمة في لبنان، هو الخيار الخاطئ من قبل الذين يتحكّمون اليوم بالسلطة، إذ لديهم قواعد شعبية وقد استلموا مقاليد الحكم بالانتخاب وليس بالتعيين لذا لا يمكن الكلام عن أزمة نظام وإنما عن أزمة وعي سياسي اجتماعي.

ورأت الاوساط أن نغمة أزمة النظام ليست ببريئة، وإنما هناك من يحاول دسّ هذا السم في دسم الفكر الشبابي اللبناني لغايات واضحة، وهي الهيمنة على الدولة أكثر، بغية تغيير وجه لبنان وعندها، لا سمح الله، سنكون في أزمة نظام حقيقية. وسألت: لو جرى تعيين سارق لإدارة مصرف وقام بسرقته، فهل تكون المشكلة في نظام إدارة المصرف أم في التعيين الخاطئ؟
كلّ الإجابات على التساؤلات واضحة، بحسب الأوساط، إلا أن أخطر مشكلة نعيشها اليوم، هي الإنجراف الأعمى وراء الشعارات الكبيرة من دون التوقف والتفكير بعمق ،وهذه أزمة فكرية إجتماعية لها بحث في مكان آخر، إلا أن الاساس هو أننا كما نكون يولّى علينا فإذا اعتبرالشعب أنه ليس على شاكلة حكامه، فلماذا ينتخب لصالحهم؟

وختمت الاوساط مؤكدة أن من ينفخ في بوق تغيير النظام هو نفسه من نفخ في صفارة تغيير قانون الإنتخاب، وهو نفسه من قرع جرس المثالثة ،وكل ذلك هدفه أمر واحد أحد، وهوالحصول على ما لا يبلغون بقبضاتهم، عبر سواعد الشعب الجائع المنتفض، وفي هذه الحالة،على الشعب أن يحاكم وإلاّ فعلى الدنيا السلام.

Exit mobile version