المصدر: ليبانون ديبايت
إنتهت عطلة العيد، دون أن يسقط معها الجمود المحيط بعملية تشكيل الحكومة، التي لم تزحزحه من مكانه، لا عصا عقوبات الوزير جان إيف لودريان، ولا كذلك “جزرة” ترغيبه، لتبقى المراوحة سيدة الموقف، في انتظار موقف “صادم”، قيل أنه سيصدر عن الرئيس المكلّف سعد الحريري، رغم الإعتقاد السائد بأن جمود الإتصالات مرشّح للتمديد، بفعل فرملة المبادرة الفرنسية من جهة، والتطوّرات العسكرية في غزة من جهة أخرى، والتي ستكون بصمات نتائجها واضحة من مفاوضات فيينا إلى مباحثات بغداد، مروراً بجولات دمشق.
بعبدا التي أحسّت بالسخن، من وجهة نظر البعض، بعدما استحقّت التهديد الفرنسي، باشرت هجومها المضاد خارجياً، باتجاه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والإتحاد الأوروبي، وداخلياً مع مسارعة جنرالها لتلقّف مناسبة الأعياد، فاتصل برئيس مجلس النواب نبيه بري معايداً، متطرّقاً إلى مسألة تشكيل الحكومة بعمومياتها، لكن من دون أن يُبنى على ذلك، معمّمة في المقابل أجواءً إيجابية وبعض “الحلحلة” من حيث الشكل، بعد الرسالة التي سلّمها الرئيس ميشال عون إلى السفيرة الفرنسية آن غريو، في محاولة جسّ نبض باريس ومعرفة خياراتها الجديدة بعد زيارة موفدها إلى بيروت. وكل ذلك قبل أن “يَبقّ بَي الكل البحصة”.
في مقابل ذلك، بدت أوساط بيت الوسط متمسّكة بخطابها ذاته، مرحّبةً بكل تبدّل فعلي في الموقف الرئاسي في حال كان يسهّل الولادة الحكومية، رغم كل محاولات بثّ الأجواء الإيجابية، التي اختصرها الأمين العام لتيار “المستقبل” أحمد الحريري، بتأكيده أن “لا شيء جديد”. وتشير أوساط مطلعة، إلى أن استمرار الشيخ سعد في التكليف من عدمه، مفتوح على كل الإحتمالات، خصوصاً في حال تمّ التوصّل خلال الأيام المقبلة إلى الإتفاق على إسم يعود له خيار تزكيته، بعد اكتمال سيناريو الإعتذار، في الوقت الذي لفتت فيه زيارة المعايدة الطويلة للسفير السعودي وليد البخاري، إلى دارة آل سلام في المصيطبة، تزامناً مع إعلان الرئيس نجيب ميقاتي أنه غير معنيّ بما يُحكى عن تسميته.
وعزت الأوساط قرار بيت الوسط، إلى وجود تقاطع مصري – فرنسي، أبلغت به جهات سياسية لبنانية،
يقضي باستبعاد الشيخ سعد والذهاب إلى تشكيل حكومة تكنوسياسية “لايت” لإدارة الإنتخابات النيابية،
خصوصاً أن الظروف تتبدّل بشكل دراماتيكي في المنطقة، بحسب المنظّرين لهذا الطرح، وبالتالي “الإختصاصية” باتت غير صالحة.
وفي هذا الإطار، يُنتظر أن تكون لزيارة الرئيس ماكرون إلى الرياض، مفاعيل كثيرة قد تقلب صورة المشهد،
خصوصاً في ظلّ الدور الذي لعبته الإمارات، على صعيد المشاركة في تحضير جدول الأعمال وتقريب وجهات النظر بين الطرفين،
حيث ترك للقمّة بين الرئيس الفرنسي وولي العهد الأمير محمد بن سلمان حسم الخيارات.
في هذا الوقت المستقطع، ظهرت على الساحة حركة لافتة للسفيرة الفرنسية،
عبر سلسلة اتصالات هاتفية وزيارات شخصية، أوحت بأن ثمّة “موّال ما”، “يَعِنّ” في رأس قاطن الإيليزيه ووزير خارجيته،
بعد زوبعة الفنجان التي أحدثها تواجد الأخير في بيروت، وما رافقها من تهويل وتهديد وحَرَد ومقاطعة وشدّ للحبال،
ما لبثت أن أرختها سفيرته في بيروت، على العادة الفرنسية.
فهل هي القناعة بأن الثورة “عا حطّة إيدك”، لا زالت كما كانت ولا يمكن التعويل على حراكها، وهو ما يؤكده بعض النشطاء
عند كشفهم عن حقيقة ما حصل في لقاءات قصر الصنوبر؟ أم هي مجرّد “شدّة دَينة”
لا أكثر ولا أقلّ للحفاظ على هيبة الأم الحنون، انتهت بالتراجع عن “كلّن يعني كلّن” كما يرى المخضرمون من أهل السياسة؟
بات من المؤكد أن المبادرة الفرنسية انتهت، بإجماع المتمسّكين بها، وغير المؤمنين بها أساساً، ومن يقف بينهما،
آخذةً في طريقها “سيدر 1” بمقرّراته وأمواله، التي أصبحت من الماضي. لذلك، فلا “روح قدس” سيد بكركي،
ولا “تقمّص بيك المختارة”، قادر على إحياء أي دور فرنسي. وعليه، من يبقى “مُقاصصاً”؟ وحدها “القوات اللبنانية”،
التي أخرجت نفسها من اللعبة الحكومية وبازارها، هي خارج دائرة التواصل الفرنسي علناً، حتى الساعة.
فهل تكون “المُعاقبة الوحيدة” ؟ أمّا “حزب الله”، الطرف الثاني المُستثنى، هو أساساً من”عضام الرقبة” الفرنسية.
بعد كل ذلك، “إذا فيك تفهم ماذا تريد فرنسا، فافهم”… فهي نفسها لا تملك جواباً واضحاً… إلاّ أن الأمثال قلّما أخطات،
“فمن غيّر عادته قلّت سعادته”، هي حال باريس التي تُغيّر مواقفها كوتيرة تغيير الموضة، ليصحّ فيها أن تكون عاصمتها،
على ما يقول الشاطر حسن.