المصدر: ليبانون ديبايت
يُراهن كل من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري على زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المرتقبة إلى السعودية، عساها تؤمّن حلاً للمعضلة الحكومية، لذلك يُبدعان في ابتكار الأساليب السياسية التي تفيد في تعزيز موقف كل منهما على حساب الآخر.. لكن الأمر لن يطول قبل أن يكتشفا عقم المراهنة وأنها “تجارة فاشلة”.
يرهن الرئيسان خطواتهما وفقاً للحركة الفرنسية. تبعاً لذلك، يأملان في أن تسفر عن شيء. حتى ذلك الحين سنبقى نشهد على تفعيل حراكهما الذي يأخذ في غالبية الأحيان طابع التنافس الحاد من أجل الوصول إلى مصادر القرارات وإقناعها.
على الأرجح، مبادرة رئيس الجمهورية تسليم رسالة مكتوبة إلى الرئيس الفرنسي عبر السفارة الفرنسية في بيروت، تتجاوز ما رتّبته زيارة وزير الخارجية جان إيف لو دريان إلى بيروت من انعكاسات سلبية، وأبعد من الحثّ الرئاسي لباريس كي لا تتخلى عن مبادرتها. ويبدو من حيث التوقيت، أن رئيس الجمهورية أراد الإضاءة على قضايا مهمة، قد تفيد الرئيس الفرنسي في مشوار بحثه عن المولود الحكومي، في الرياض.
على المقلب الآخر، قرّر الرئيس سعد الحريري التموضع في منطقة الإنتظار. على هذا الأساس أوقف العمل باحتمالات اعتذاره وأجّل الخطوة إلى موعد يحدّد لاحقاً. وعليه، جمّد كل حراكه على أن يستأنفه حين تتبلور نتائج الزيارة الماكرونية إلى الرياض وما ستسفر عنه. في ضوء ذلك، يُقرّر شكل الحراك المستقبلي.
عملياً، يكون الحريري قد رهن خطواته على عداد الخطوة الماكرونية، تماماً كما يفعل رئيس الجمهورية اليوم.
من الواضح، أن رئيس الجمهورية انتقل من منطقة الدفاع إلى الهجوم. السياق العملاني يوحي بذلك. لقد طعّم رسالته الباريسية برسالة لبنانية خالصة، وجّهها إلى مجلس النوّاب إنفاذاً لحقّه الدستوري المدوّن في المادة 52 من الدستور. وكما هو واضح، يبدو أن الرئيس قد حزم أمره، على استكمال “هجوم الرسائل” بغارة أخرى يُتوقّع أن تشمل دولاً معنية بالشأن اللبناني.
يريد رئيس الجمهورية إيداع أسباب العرقلة لدى المعنيين في تلك الدول، تماماً كما يفعل الرئيس الحريري من وراء زياراته الخارجية، سيّما بعدما نمى إلى القصر أن المكلّف “يُحرتِق خارجياً” ويرمي أسباب التأخير والعرقلة على كاهل قصر بعبدا فقط. والقاعدة نفسها يُمكن تعميمها على رسالة المجلس، معطوفةً على إضافة صغيرة تتعلّق بإمكانية بحث مصير التكليف في ضوء ما يحصل من عرقلة وتأخير.
في الواقع، بات الرئيس، وأمام الإستعصاء الحاصل، يميل إلى التنقيب عن حلول ولو كانت غير مألوفة أو فجّة، لعلمه بطبيعة المرض العضال الذي يُعاني منه التأليف، والحاجة إلى إجراء عملية استئصال جريئة. خطوة الرسالة وما تضمنته، تندرج في هذا السياق، ربطاً بالتعليقات التي استقبلت بها، والتي توحي بغياب التوافق حول بحث مضمونها، كما جاء من بعبدا، بدواعي اتهامات تتصل بغياب “القيمة الدستورية” فيها، متجاهلين أن القيمة الدستورية أساساً غائبة عن التكليف بدوره، بمجرّد أن وُضع في بازار المقايضة، وتجاوز المدة المعقولة لإنجاز التأليف، وصولاً لتحوّله إلى أداة تعطيل وابتزاز.
وعلى القاعدة نفسها، في جعبة الرئيس مساعٍ أخرى، يعتبرها فريقه دستورية. ففي حال فشل الهدف والغاية المرجوة من وراء الرسالة النيابية، ولم تنجح في إيجاد حل لمعضلة التكليف، قد ينبري إلى البند الثاني من خطة “استرداد التكليف” التي شرع العمل بها، عبر دعوة رؤساء الكتل النيابية إلى قصر بعبدا، وسماع وجهة نظرهم حيال التعطيل وسبل حلّه، والسماع منهم جواباً كردّ على سؤال واضح مفاده: “هل تؤيدون استمرار السيد سعد الحريري في مهمته؟”.
هنا، لا بد من استطلاع الموقف الفرنسي في ضوء احتمال فشل مهمة الرئيس ماكرون في تليين الموقف السعودي،
ودفعه إلى التخفيف عن كاهل الحريري. عملياً، يشكّل الموقف الفرنسي المقبل من القضية بوصلة التحركات،
سواء بالنسبة إلى القصر أو بيت الوسط.
عطفاً على ذلك، بات من الضروري إجراء “تصحيح في مسار العلاقة” بين الرئيسين في حال أرادا العمل سوياً.
حتى ذلك الحين، يبدو محالاً الجمع بينهما، سواء بروتوكولياً، على نية إيجاد حل للمعضلة الحكومية،
أو إجرائياً من خلال تشكيل حكومة. فالشرط الأساسي لاستتباب الأمور بينهما، والمضي قدماً في عملية الإصلاح،
هو الإصلاح ما بينهما بدايةً، لكي يتمكنا من تجاوز تراكمات المرحلة الماضية والشروع في العمل لا المهاترات.
وحتى الساعة، هذا الأمر محال حصوله، ويضع مزيداً من العوائق على مسار التأليف.
في الواقع، إن رسالة الرئيس إلى مجلس النواب، وما أحاطها من اتهامات من الطراز المذهبي،
خلقت مزيداً من الفارق السياسي بين عون والحريري، وفي ظلّها وظلّ نتائجها المتوقعة في ضوء تهديد الحريري
بالنزول على رأس كتلته إلى ساحة النجمة تحت عنوان المواجهة المباشرة، بات يستحيل العيش تحت سقف حكومي ـ
سياسي واحد، لذلك أضحى البحث عن مخارج التكليف واجباً.
ثمة أمراً آخر أكثر أهمية. ففي حال تجاوز كل التراكمات، وعادت المياه إلى مجاريها بين الرئيسين،
فمن الصعوبة في مكان أن تؤدي حكومة من غير المعلوم متى تؤلف، مهمة إنجاز الإصلاحات وخطة العمل الدولية
خلال المدة القصيرة المتبقية من العهد ومن عمر مجلس النواب الحالي، وأي حكومة مهما علا شأنها، من المستحيل
أن تنتج حلولاً خلال مدة قصيرة في ظل واقع مزري كالذي نعيشه، هذا إن لم تتحوّل الحكومة في حال تأليفها،
إلى مربط للصراع والتسابق والتقاتل بين الرئاستين وممثليهما كما كان الحال سابقاً.
لذلك، فإن الرهان الحالي لا بد أن ينحصر بـ 3 أمور:
محاولة إيجاد حل حكومي مع ضمانات تؤدي إلى إنجاز ما تقدم وما يعلن وما سيعلن عنه،
أو محاولة تفريغ تكليف الحريري من مضمونه عبر انتزاع مواقف سلبية حياله من الكتل وبدء مشوار البحث عن بديل،
وهذا، قد يؤدي إلى مشكلة ذات بعد مذهبي. أو إعادة الحريري تفعيل احتمالات اعتذاره وبرضاه ،
على أساس أن تكون مخرجاً قد يؤدي إلى تبريد الساحات، ويفتح الإمكانية مجدداً للعثور على بديل. لكن هذا الإحتمال،
وفي حال حصوله، قد يُرخي أزمات عدة قد يواجهها الحريري داخل بيئته، لعلّ أبرزها يتمثل في أن إقدامه على الإعتذار
في سابقة تحدث للمرة الأولى، قد تكرّس عرفاً في دفع صاحب الموقع الثالث للإعتذار بسبب رفض صاحب الموقع الأول
تشكيلته الحكومية التي قدمها، ما يعني كسراً للتوازنات، وهذا له تبعات ونتائج غير محدودة التأثيرات.