نديم قطيش- اساس ميديا
حين انتهت الحرب الباردة بسقوط الاتحاد السوفياتي، كتب باحث سياسي، يقول: انتهت الحرب الباردة بين أميركا والسوفيات، والرابح هو اليابان. الحرب الباردة ورثت الحرب العالمية الثانية التي استسلمت في ختامها اليابان وهُزِمت النازيّة. أمّا حين وضعت الحرب الباردة أوزارها فقد كانت اليابان في عزّ صعودها في الثمانينيات قبل أن تنهار البورصة اليابانية عام 1992، وينتهي الكثير من حلم الريادة الدولية لهذا البلد الآسيوي. المقصود في عبارة الباحث السياسي أنّ ثمّة كَسَبة دائماً خارج مجموعة اللاعبين المتورِّطين مباشرة في الحرب. هذه حال نتائج الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحماس. انتهت الحرب، والرابح هو إيران.
لن تتوقّف حماس كثيراً عند وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لغزّة بعد الحرب بأنّها “جحيم على الأرض” للأطفال، بسبب الأضرار الجسيمة التي لحقت بالبنية التحتية المدنية الحيوية في غزة، كمياه الشرب. ولن تأخذ كثيراً بعين الاعتبار الفارق الهائل في حجم الخسائر البشرية، حيث قُتِل ما لا يقلّ عن 232 فلسطينيّاً في مقابل 12 إسرائيليّاً. وسيطغى ضجيج الاحتفالات بالنصر على الكثير من الوقائع الأخرى، التي ليس أقلّها أنّه في ختام هذه الجولة المدمِّرة لم يتغيّر شيء يتّصل بوضع القدس الشرقية أو الاستيطان في الضفة الغربية.
لن تتوقّف حماس كثيراً عند وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لغزّة بعد الحرب بأنّها “جحيم على الأرض” للأطفال، بسبب الأضرار الجسيمة التي لحقت بالبنية التحتية المدنية الحيوية في غزة، كمياه الشرب
حماس، الميليشيا، ستكتفي بكونها أطلقت أكثر من 4300 صاروخ طالت أهدافاً متفاوتة الأعماق في الداخل الإسرائيلي، وواظبت على القصف طوال 11 يوماً على الرغم من جسامة القصف الإسرائيلي.. يضاف إلى ذلك أنّ إسرائيل وافقت، نتيجة ضغط أميركي غير مسبوق، على وقفٍ لإطلاق النار غير مشروط، وهو ما ستدرجه حماس في خانة إنجازاتها.
إنّما الرابح الحقيقي هو إيران. لا يختلف اثنان أنّ إيران أدّت دوراً أساسيّاً في تطوير البنية التحتية العسكرية لحماس. وهي الأخرى لا يعنيها الدمار اللاحق بالقطاع، والبؤس الذي سيهيمن بوطأة أكبر على حياة الغزِّيّين.
من هذا المنظار الضيّق، غزّة هي “ساحة”.. وعلى هذه “الساحة” سجّلت إيران ضربة موجعة لإسرائيل، وربّما أعادت بعض الماء إلى وجه الجمهورية الإسلامية، بعد سلسلة إهانات قاسية، كسرقة الأرشيف النووي الإيراني عام 2018، أو قتل قاسم سليماني ومحسن فخري زاده عام 2020، أو سلسلة العمليات الغامضة والسرّيّة التي شنّها الموساد في قلب المدن والمحافظات الإيرانية.
لا يختلف اثنان أنّ إيران أدّت دوراً أساسيّاً في تطوير البنية التحتية العسكرية لحماس. وهي الأخرى لا يعنيها الدمار اللاحق بالقطاع، والبؤس الذي سيهيمن بوطأة أكبر على حياة الغزِّيّين
صواريخ حماس، وإن كانت محليّة الصنع، فهي في التحليل الأخير إيرانية، لأنّ معارف تصنيعها نُقلت إلى القطاع أو لأنّ أجزاء منها هُرِّبت إليه.
ستعكف إسرائيل على دراسة الطائرات من دون طيّار التي استخدمتها حماس في هذه المواجهة الأخيرة، وهي مطابقة للطائرة الإيرانية “أبابيل 2” أو الطائرة “قاصف” التي بحوزة ميليشيا الحوثي في اليمن.
قدّمت إيران في غزّة تجربة ناجحة ومقلقة لإسرائيل، وهذا ما يجب أن يعني اللبنانيّين. السؤال البديهي عند صانع القرار العسكري والسياسي في إسرائيل هو التالي: إن كانت هذه قدرات حماس، على الرغم من كل العوائق أمامها، فما هي حقيقة قدرات حزب الله؟ وإذا كانت جبهة واحدة قد وضعت حجماً هائلاً من الضغط على منظومة “القبة الحديدية”، فماذا سيكون الواقع لو دخل لبنان على خط المواجهة، بسلاح أكثر وعبر جبهة أطول قد تمتدّ إلى أجزاء من سوريا؟
ما لم يحصل تغيير سياسي كبير في إسرائيل، وهو أمر غير معلوم في ظلّ ما تشهده إسرائيل من شلل سياسي هائل وانقسام اجتماعي أكثر هولاً، فإنّ العلاج الوحيد، الذي ستضعه هذه القيادة السياسية على الطاولة، هو المزيد من تكرار ما حصل في غزّة، ولكن هذه المرّة ضدّ لبنان.
حرب غزّة، بعد صواريخ ومسيَّرات الحوثي في اليمن، فضحت حجم ما يمكن أن تكون وصلت إليه إيران في لبنان عبر ميليشياها الأبرز حزب الله. وكشفت أيضاً حجم السلاح، الذي يُحتَمل أنّه أصبح في أعلى درجات الجهوزيّة، ونوعيّته. إسرائيل لا تواجه حماس فقط الآن، بل تواجه جبهة عريضة وخط رماية بالصواريخ ممتدّ على مسافة 5000 كلم من باب المندب في اليمن إلى لبنان، مروراً بالعراق، بقيادة حزب الله.
هذه واحدة من الخلاصات المرعبة للحرب بعد التسلّي باحتفالات النصر. ما لم تكن فعلاً إسرائيل آيلة إلى الزوال، وهذا ليس انطباعي، فإنّ الحرب المقبلة مسألة وقت فقط.. والجبهة ستكون لبنان، مسبوقة بتصاعد العمليات النوعية ضد حزب الله في لبنان وضد الحرس الثوري في إيران.
حرب غزّة الأخيرة انتهت ولم تنتهِ، والآتي أعظم وأشرّ.