المصدر: الديار
في مطلع كانون الاول من عام 2019 ولم يكن مضى على ما سمي «الحراك الشعبي» نحو شهرين، سألت احد المراجع الرسمية في موقع القرار في السلطة هل صحيح بأن سعر صرف الليرة امام الدولار سيرتفع من 1500 الى 3 آلاف او خمسة الاف من ضمن ما هو مطلوب من اصلاحات تحرير سعر صرف الليرة فرد قائلا انسى الموضوع فقد يصل الدولار الى سعر ثلاثين الف ليرة وهو لم يكن ارتفع لا نحو مئة ليرة مسجلا 1600 ليرة في ذلك الفترة.
فكان ردي انني اصدقك التوقع في هذا الارتفاع وسبق ان شهد لبنان ذلك فكان سعر صرف الليرة امام الدولار يسجل ليرتين وربع الليرة مع اندلاع الحرب الاهلية ووصل الى اكثر من ثلاثة الاف ليرة عند نهايتها الى ان تم تثبيت سعرها على 1500 امام الدولار منذ منتصف تسعينات القرن الماضي واذا ما ارتفع السعر من جديد فهذا ينقل لبنان الى النموذج الفنزويلي وهو ما كتبته في مقال لي نشر في 10 تشرين الثاني من العام 2019.
وليس لبنان الدولة الوحيدة التي تعصف بها ازمة مالية حادة فإن البنك الدولي صنفه بأنه ثالث دولة من بين عشر دول تمر في وضع صعب وخطير حيث تتوقع تقارير مالية واقتصادية ان لا يخرج لبنان من ازمته قبل عشرين عاما وفي حد ادنى 12 عاما وفق خبراء اذا ما تشكلت حكومة وبدأت مهمة الاصلاح والانقاذ واتخاذ اجراءات ستكون موجعة على اللبنانيين وهذا ما وعد به الرئيس سعد الحريري عندما كان رئيسا للحكومة في حزيران من العام 2019 عندما اعلن عن ورقة حكومته الاصلاحية، المطلوبة من لبنان في «مؤتمر سيدر» الذي قرر منح 11.5 مليار دولار كقروض واستثمارات.
فالورقة الاصلاحية عقدت اجتماعات للبحث في تطبيق بنودها فجرى التطرق في احد الاجتماعات الى مسألة تحرير سعر صرف الليرة فدار النقاش حول سعرين 3 او 5 الاف ليرة امام سعر الدولار فجرى التمهل في اتخاذ القرار في الاجتماع الذي عقد في القصر الجمهوري برئاسة ميشال عون ومع مطلع صيف 2019 على ان يستكل البحث فيما بعد حيث بدأت تتسرب معلومات عن ان الدولار سيرتفع وعلم بذلك من هم في موقع القرار في السلطة ومصرف لبنان والمصارف ورجال سياسة ومال واعمال فباشروا في تهريب اموالهم بعد ان اعلن وزير المالية علي حسن خليل عن اتجاه «لهيكلة الدين العام» مما زاد من الحذر بالرغم من اعلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بأن الليرة في الف خير لاطمئنان المودعين لا سيما الصغار منهم.
هذه الوقائع تؤكد بأن المسؤولين مع مصرف لبنان والمصارف كانوا على علم بأن الليرة لن تبقى في خير يؤكد خبير مالي مطلع على ما حدث في تلك المرحلة لا بل قبل ذلك اذ يكشف عن ان تهريب الاموال بدأ منذ العام 2017، وان المؤشرات كانت تدل على ان الحكومة تكلف مصرف لبنان بتأمين المال لنفقاتها التي تصرف على خدمة الدين العام ورواتب موظفي القطاع العام وعجز الكهرباء فيستدين مصرف لبنان من المصارف بفوائد عالية فتقوم هي بدورها باغراء المودعين بفوائد عالية لتمويل الدولة الفاشلة لتقع الكارثة ويصل لبنان الى الانهيار واكثر من نصف شعبه الى الفقر وترتفع البطالة وتقفل المؤسسات وتزداد الهجرة.
ففي السنوات الماضية كانت الحكومات المتعاقبة وكل من هو في السلطة يقوم بدور تأجيل الانهيار الذي كانت بوادره بدأت تظهر منذ العام 1997 من خلال السياسات التي اتبعت في تلك المرحلة لما يسمى»الحريرية السياسية» التي اعتمد على الاستدانة والدولرة والريع دون التركيز على اقتصاد منتج فجرى محاولة لإعادة لبنان الى ما كان عليه في السبعينات بأنه كان المستشفى والجامعة والسياحة والمرفأ للعرب دون الالتفات الى تحولات حصلت في دول عربية لا سيما الخليجية وتحديدا الامارات بأن لبنان لا يمكن ان يعود الى ما كان عليه سابقا.
لذلك فإن الازمة المالية الى مزيد من التعقيد وسعر صرف الليرة الى تصاعد وان تشكيل حكومة لو جرى التفاهم عليها قد يوقف الانحدار لكن اي حكومة اذا ولدت ستكون امام قرارات صعبة جدا وفق الخبير الذي يرى بأن رفع الدعم سيكون من اولى مهمات حكومة تتشكل والعمل بوصفة «صندوق النقد الدولي» الذي اوصى للبنان ان يتخلى عن دولة الرعاية الاجتماعية وان سنوات من الفقر تنتظر اللبنانيين الذين اوصاهم زعماؤهم بأن ينسوا زمن الرفاهية.