بقلم ملاك عقيل – أساس ميديا
كان يجدر بالشارع الخارج من عباءة الأحزاب عدم التأسّف على “احتلال” مناصري المرجعيات السياسية مكانه في الشارع والتنديد بمارسات الطبقة الحاكمة العاجزة والفاسدة… والمطالبة بتشكيل الحكومة فورًا.
شارع “17 تشرين” الذي نزل بثقله على الأرض ثم تفرّق ليخسر معركة محاسبة المرتكبين تفرّج أمس على “استعراضٍ” شعبي خجول تراوح بين قطع الطرقات وحرق الدواليب والالتزام النسبي بالدعوات للإضراب والاعتصام مع مشاركة حزبية محدودة جدًا غابت عنها “جحافل” المطبّلين والمًزمّرين لرموز السلطة.
عمليّاً، لم يتعدَّ الأمر حدود البروفا، التي ارتدت اللبوس السياسي في ظلّ غياب التجمّعات الشعبيّة الحاشدة في جميع المناطق. هي بروفا لِما يمكن أن يقدّمه الشارع من جولات إضافية في تمهيدٍ لمزيدٍ من الفوضى غير الخلّاقة، التي ستنتهي بكارثة لم يشهد لبنان مثيلاً لها في تاريخه. هذا بسبب انهيار تدريجيّ للقطاع الاستشفائي والطبّي والتأمينيّ والمدرسيّ والجامعيّ، وفقدان الأدوية، ورفع الدعم عن البنزين الذي بات وشيكاً، كما “بشّر” وزير الطاقة ريمون غجر، وعن المازوت والأدوية وبعض السلع الغذائية الأساسية، وتحليق خارج عن السيطرة للدولار، وتحوّل “بؤساء” الجمهوريّة إلى وقود في نزاعات اكتملت معالمها في الأسابيع الأخيرة، بغضّ النظر عن “خميس الشارع” أمس:
هو محور العهد في مواجهة محور حركة أمل وتيّار المستقبل والاشتراكيّ والقوّات وتيّار المردة والكتائب والشريحة الكبرى من الرأي العام اللبناني.
أمّا حزب الله فعبّرت “شاشته” ليل الأربعاء عن موقفه الملتبس من خلال عدم تطرّق مقدِّمة نشرة “المنار” إلى موضوع التراشق الكلاميّ في اليوم نفسه بين بعبدا وعين التينة، مفضّلةً التركيز على تحذير رئيس حكومة تصريف الأعمال من “الأمن الذاتي”.
وقد برز موقف لافت لرئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيّد هاشم صفي الدين، الذي قال إنّ “الاستخفاف بفكرة انهيار الدولة ومؤسّساتها أمر خطير جدّاً، لأنّ لبنان سيكون عندئذٍ في حالة انفراط من الصعب جدّاً أن يُعاد جمعه”.
بدا هذا الكلام، بتقدير مطّلعين، موجّهاً إلى بعبدا وبيت الوسط معاً، إذ تكوّنت قناعة في الضاحية بأنّ “المعايير”، التي يدافع عنها ميشال عون، وبسببها يرفض توقيع مرسوم تشكيل الحكومة، قد تقضي على آخر فرص الإنقاذ.
وأمس أطاح نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم بكلّ مضبطة الاتّهام، التي يوجّهها ميشال عون إلى برّي والحريري بـ”تعطيل الدور الدستوري لرئيس الجمهورية، ومصادرة صلاحياته”، حين أكّد أنّ “ما نسمعه من خلافات حول التشكيل لا علاقة له لا بموقع رئاسة الجمهورية ولا رئاسة الحكومة، ولا بموقع الطائفة وصلاحيات الموقع، ولا بمستقبل أيّ طائفة”، مشيراً إلى “الحاجة فقط إلى بعض المرونة”، داعياً إلى “الإسراع في تشكيل الحكومة وتقديم التنازلات المتبادلة”، سائلاً: “حزب الله، وهو في موقع الضغط والتشجيع والترغيب بحصول الاتفاق، ماذا يمكنه أن يفعل أكثر من هذا؟”.
وقال: “نحن لا نملك قدرة إلزام أو قدرة إنجاز أمر موجود في الدستور”، مسلّماً بأنّ “التلاقي بين الرئيسين (عون والحريري) هو الحلّ الحقيقيّ”.
وفي رسالة صريحة إلى جبران باسيل وتيّاره، قال قاسم: “أسمع بعض الأحيان أنّ الناس يحمّلوننا المسؤوليّة، تارة مسؤوليّة التفاهم مع التيار الوطني الحر، وتارة أخرى مسؤولية بناء الدولة، فليأتِ أيّ واحد منهم بدليل واحد على أنّنا قصّرنا في مكان من الأمكنة. ما علينا نقوم به، وعلى الآخرين أن يقوموا بما عليهم”، مؤكّداً “أنّنا سنكون دائماً السند لتفاهم الرئيسيْن، وندعوهما إلى الإسراع في التفاهم لأنّ البلد لم يعد يتحمّل”.
وفي هذا السياق، يقول قريبون من الحزب: “كأنّنا أمام مناخات تذكّر بمرحلة ما قبل 13 تشرين 1990. وما يحارب من أجله ميشال عون، معتبراً إيّاه ممرّاً إلزاميّاً لولادة الحكومة، ومسلّماتٍ لا بدّ منها في تأليف الحكومات، قد يدير الظهرَ له رئيسُ الجمهورية المقبل، وربّما كلّ رؤساء الجمهوريات، فنكون قد خسرنا أشهراً بسبب التعطيل من أجل مطالب قد لا يرفعها أيّ رئيس جمهورية مسيحي بعد عون. وهذا التعنّت المتبادل بين عون والحريري قد يكون الشارع أحد حلوله، وهو ما بُدِئ التمهيد له. والخوف الأكبر أن تُستبدَل طائرات الـ”ميغ” السورية، التي قصفت القصر الجمهوري قبل قبل 31 عاماً، بمدّ شعبيّ يحاصر عون في قصر بعبدا”.
وقد جاء بيان كتلة الوفاء للمقاومة، أمس، ليؤكّد حتميّة “التنازلات المتبادلة التي ليست منقصةً لأحدٍ، وتقطع الطريق أمام الانتهازيين والمثيرين للعصبيّات، في حين أنّ التصلّب سيؤدّي إلى تعطيل الحلول وإضاعة الفرص الثمينة”، وهي رسالة مزدوجة طالت، وفق مطّلعين، عون والحريري وباسيل معاً.
ووفق المعطيات، أتت مواقف الحزب عقب تواصل حصل في اليومين الماضيين، بين مسؤول لجنة الارتباط في حزب الله وفيق صفا والنائب باسيل، هَدَف إلى كسر حدّة الاشتباك مع الرئيس برّي.
وتفيد المعلومات عن توجّه رئيس الجمهورية للقيام بخطوة، لم يُكشَف عنها، تتجاوز مسألة توجيه رسالة للّبنانيين، بعد الرسالة إلى مجلس النواب، أو الدعوة إلى طاولة حوار، بعدما أيقن، وفق قريبين منه: “وجود مخطّط منظّم للإطاحة بعهده”.