المصدر: نداء الوطن
عملاً بـ”النصيحة” التي أسداها رئيس الجمهورية ميشال عون للبنانيين بُعيد انتفاضة تشرين “اللي مش عاجبو يهاجر”… هاجر عماد حويلي إلى ليبيريا لتحصيل قوت عائلته وإعالتها في لبنان، لكنه لم يكن يدري أنّ إجرام السلطة سيطارده ويعيده إلى بيروت لتقبّل العزاء بزوجته وبناته الأربع بعدما قضين في رحلة البحث عن “تنكة” بنزين على أوتوستراد السعديات… ليصبح واجب العزاء موصولاً بعهد ميّت سريرياً صمّ آذانه عن أنين الناس وأوصاهم بالصبر والسلوان حتى بلوغ “جهنم” وبئس المصير.
لكن، ولأنّ “مصير” جبران باسيل هو إكسير العهد ومبعث الحياة الوحيد في عروقه، يُعدّ فريق الرئاسة الأولى العدّة والأرضية لخطوة سيقدم عليها رئيس الجمهورية “خلال فترة قريبة وتؤدي إلى كسر الرتابة والجمود في المشهد الحكومي”، كما مهّدت لها مصادر عونية، بينما اعتبرتها مصادر مواكبة للملف الحكومي “خطوة تفجيرية للوضع برمته تؤسس لقلب الطاولة على كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلف سعد الحريري، بشكل يهدف إلى وضع تكليف الحريري تحت “مقصلة دستورية” رداً على استمرار دعم الثنائي الشيعي لهذا التكليف، لتكون خطوة عون بمثابة “ضربة قاضية” تسقط مبادرة بري رداً على استشعار خطر محاولة إسقاط باسيل “بالنقاط” على حلبة التأليف، إثر انحياز “حزب الله” لتفويض عين التينة على حساب تفويض البيّاضة”.
وبالانتظار، لا يزال رئيس الجمهورية متريثاً في الإقدام على “كسر الجرّة” مع الثنائي الشيعي ريثما يتضح له ما ستؤول إليه نتائج المشاورات الجارية على خط “حزب الله” ـ “التيار الوطني الحر”، ربطاً بتفويض باسيل السيد حسن نصرالله تحصيل حقوق المسيحيين الوزارية، وعلى ضوئها سيتحدد “عونياً” مصير مبادرة بري. وفي هذا الإطار، يلوّح العونيون بأنّ جعبة بعبدا لم تخلُ من الخيارات وقد نقلت أوساطهم خلال الساعات الأخيرة معلومات تفيد بوجود “مجموعة خطوات قيد الدراسة والاعداد”، ومن ضمنها “دعوة رئيس الجمهورية إلى عقد طاولة حوار وطني في قصر بعبدا أو توجيه رسالة جديدة الى اللبنانيين يكاشفهم خلالها بالحقائق”. إلا أنّ المعطيات المتوافرة لا تزال تشي بأنّ بلورة هذه الأفكار والخيارات تمهيداً لاعتماد إحداها سيبقى رهن نتائج الاتصالات القائمة في محاولة أخيرة لإحداث خرق في جدار التشكيل، على قاعدة ما يردده المقربون من قصر بعبدا من أنّ عون ما زال منفتحاً على أي مبادرة “شرط التزامها بالدستور وبصلاحيات رئيس الجمهورية”.
وفي المقابل، رأت مصادر سياسية أنّ الأمور ستظل تراوح مكانها بغض النظر عما سيُقدم عليه رئيس الجمهورية من خطوات، لا سيما وأنّ “التجارب السابقة سواء في الحوار أو في الرسائل أثبتت بالملموس فشلها الذريع”، وذكّرت بفشل دعوة عون إلى طاولة الحوار تحت وطأة المقاطعة الواسعة لها، وبمصير الرسائل السابقة التي وجهها رئيس الجمهورية إلى مجلس النواب ثم ارتدّت سلباً على موقع الرئاسة الأولى، ناصحةً إزاء ذلك رئيس الجمهورية بالإقدام على الاتصال بالرئيس المكلف والتفاهم ثنائياً معه على التأليف لأنّ الناس “شبعت مبادرات ورسائل”.
وفي السياق عينه، كشفت المعلومات أنّ فكرة دعوة عون لطاولة حوار على جدول أعمالها طرح تشكيل “حكومة أقطاب” كانت قد راودت فعلاً رئيس الجمهورية إبان زيارة البطريرك بشارة الراعي الأخيرة إلى بعبدا، إلا أنها عادت وسُحبت من التداول الرئاسي تحت وطأة الرسائل التي أكدت أنّ المجتمع الدولي لن يسير بدعم هكذا حكومة باعتبارها ترمي إلى تعويم الطبقة السياسية الفاسدة التي ينادي الشعب بمحاسبتها.
وأمام التأزّم الحاصل وانسداد الأفق في المشهد الوطني، لم يجد البطريرك الراعي أمس سوى الدعوة إلى استعادة “مقاومة الأجداد” في سبيل حماية لبنان وإعادة استنهاضه، بعدما أمعن الطاقم السياسي الحاكم في “التخريب والهدم وكأن العمل السياسي هو من أجل خراب وطن وهدم دولة وتهجير مواطنين”.
وخلال افتتاح أعمال منتدى “معاً من أجل لبنان، المئوية الثالثة” في الصرح البطريركي، قال الراعي: “كل أزمة هي دائماً مناسبة للعودة إلى الذات من أجل إنطلاقة جديدة”، داعياً من هذا المنطلق إلى “شدّ الهمم وانتزاع الخوف من قلوبنا وتجديد الايمان بلبنان ورسالته وبمقدرات لبنان وشعبه، وبما ينتظر من لبنان كوطن رسالة في هذه الأسرة الاقليمية والدولية”، وختم: “عندما اعتُقل بولس الرسول وقُيّد في السلاسل، قال: “يداي مقيّدتان في السلاسل لكنّ لساني حرّ”… نعم، عقلنا حرّ، ونستطيع إذا تضامنا وتكاتفنا أن ننهض رغم كل شيء (…) هكذا فعل أجدادنا وهذا دورنا اليوم”.