المصدر: ليبانون ديبايت
لا يُحسد المحقق العدلي، طارق البيطار على المسؤولية التي يتولاها بخصوص التحقيقات المتعلقة بتفجير مرفأ بيروت، فمن جهة يتولى الإشراف على قضية هزّت لبنان ودمّرت أجزاءً من عاصمته، ومن جهة ثانية ورث كرة نار من سلفه فادي صوان الذي أوقف معظم من استمع إليهم قبل أن تتم تنحيته عن منصبه.
شهران إلاّ ثلاثة أيام فصلت ما بين كفّ يد صوان عن الملف، وإصدار القاضي البيطار سلسلة إخلاءات سبيل لكل من الرائد في الأمن العام شربل فواز والرائد في أمن الدولة جوزيف النداف والموظفين مخايل المر وجوني جرجس والياس شاهين والرقيب أول خالد الخطيب، فيما استمرّ قرار توقيف ضباط آخرين ومسؤولين في المرفأ.
خرج الرائد في الأمن العام شربل فواز، ولكن طلب إخلاء سبيل المقدم في الجهاز نفسه –ترقّى إلى رتبة رائد خلال فترة توقيفه- داوود فياض، رُفض مما طرح ولا يزال يطرح علامات استفهام حول الصلاحيات المنوطة بالأمن العام، وتالياً قانونية استمرار توقيف فياض من عدمها، فكما هو معلوم يلتزم الضباط التزاماً كاملاً بمسؤوليات الجهاز الذي ينتمون اليه، ويُحاسبون بناء على ذلك.
فياض الذي كان يشغل منصب رئيس دائرة الأمن العام في المرفأ، تولّى مركزه أواخر عام 2017، وعلم بوجود مادة النيترات في الشهر الثاني من العام 2018، قام ومن خلال صلاحياته، بواجبه من خلال إرسال التقارير إلى القيادة، ولم يتلقّ أية تعليمات صادرة عن المديرية العامة للأمن العام، وبذلك تنتفي أي مسؤولية له عن مخالفة قرارات كان عليه تنفيذها أو أهمل تنفيذها وكانت سببا أدى إلى الإنفجار في 4/أب.
قيام فياض بواجباته من خلال إرسال التقارير وعدم تلقّيه أية تعليمات بهذا الخصوص، يقود إلى طرح سؤال مهم، ما هي صلاحيات ومهام الأمن العام في المرفأ؟ وعلى ماذا تحتوي المراسيم والقرارات التنظيمية والتعليمات بهذا الخصوص؟
عام 1959 أصدر رئيس الجمهورية وبناءً على إقتراح وزير الداخلية وبموافقة مجلس الوزراء مرسوماً حمل الرقم 2873 ويتناول نظم هيكيلية ومهام المديرية العامة للأمن العام سواء دوائر الإدارة المركزية أو دوائر أمن عام المناطق والتي حدّدت في المادة الخامسة منه، عمل دائرة الإستقصاء المركزية في المديرية العامة للأمن العام بالآتي:
– إستقصاء المعلومات السياسية والإقتصادية والإجتماعية وكل ما يمتّ إلى لبنان بصلة.
– مكافحة الجاسوسية
– مكافحة كل ما يمسّ الأمن، بمراقبة وملاحقة عمّال التخريب، ودعاة الفوضى والإضطرابات ومروّجي الشائعات.
– إضافة إلى مهام مكافحة الأحزاب المنحلّة والجمعيات السرية ومراقبة الإجتماعات والحفلات واستقصاء المعلومات عن نشاط الهيئات والجمعيات.
وحددت المادة 11 من المرسوم عمل دوائر الأمن العام في المناطق ودائرة أمن عام مرفأ بيروت فيها بالآتي:
تتولى كلّ من دوائر أمن عام المناطق في حدود منطقتها:
– إستقصاء المعلومات المنصوص عنها في المادة الخامسة من المرسوم 2873/1959 أي المعلومات السياسية والإقتصادية والإجتماعية عن كل ما يمتّ إلى لبنان بصلة.
– مكافحة الجاسوسية ومراقبة وملاحقة عمّال التخريب ودعاة الفوضى والإضطرابات وسوى ذلك من مهام تتعلق بالأفراد أو الأحزاب أو الجمعيات المرخّص لها أو المنحلّة.
– منح إجازات الدخول إلى مناطق المرافئ الجوية والبحرية المحرّمة والصعود إلى البواخر، إنما وفقاً للتعليمات الدائمة الصادرة عن مدير الأمن العام.
وجاءت التعليمات رقم /5/ الصادرة عن مدير عام الأمن العام لتقونن عمل دائرة أمن عام المرفأ من ضمن عمل الدوائر والمراكز البحرية الحدودية في الأمن العام، لجهة تحديد نطاق عملها وكيفية منح تراخيص الدخول إلى حرم المرفأ وتنظيم حركة البواخر والمراكب وتصاريح الزيارة وتعيين وتخريج البحارة والصعود إلى السفن واستيفاء الرسوم.
وتناولت التعليمات في البند 2\1 المهام بالتفصيل وعلى الشكل الآتي:
– عل كل دائرة أو مركز حدودي بحري، الإشراف على حركة كافة السفن والمراكب من وإلى كافة الشواطئ والمرافئ الواقعة ضمن نطاق عملها وعلى الأشخاص داخل هذا المرفأ وفقاً لأحكام هذه التعليمات، وبالتالي إن هذه المهام حصرت عمل أمن عام المرفأ بحركة السفن والمراكب كافة من وإلى الشواطئ والمرافئ كافة الواقعة ضمن نطاق عملها وعلى الأشخاص داخل هذه المرافئ، ولم تُشر هذه التعليمات إلى دور ومهام الأمن العام فيما خص البضائع.
إذن ووفق القانون يتعيّن على ضباط الجهاز الإلتزام التام بالمرسوم 2873 والتعليمات التطبيقية الصادرة بالتعليمات رقم /5/ والأوامر الصادرة عن المدير العام للأمن العام في ما يخرج عن مضمون المرسوم 2873 والتعليمات رقم 5.
رغم المرسوم والتعليمات الواضحة، ينبري البعض للإستفسار عن مسؤولية الأمن العام في قضية انفجار بيروت وموضوع نيترات الأمونيوم لجهة حفظ الأمن في المستودعات والعنابر. الإستفسار هذا، مردّه إلى ما ورد في القرار رقم 1/31 تاريخ 26/1/1966 الصادر عن وزير الأشغال العامة والنقل في حينه المتعلق بنصوص نظام المرافئ والموانئ اللبنانية وما ورد فيه لجهة المادة 139 في موضوع الحراسة على السفن.
هنا ينبغي الإشارة الى ان هذا النظام الصادر عن وزير الأشغال في العام 1966 لم يجد له تطبيقاً لدى المديرية العامة للأمن العام منذ صدوره. إذ لم تتعامل معه المديرية العامة للأمن العام ولم تلتزم به ولم تُصدر أية قرارات أو تعليمات استناداً له، كما أن هذا القرار يعتبر لاغيا قانونا ً بالنسبة للأمن العام، كون صلاحياته محدّدة بموجب مرسوم تحدّدت فيه مهام وصلاحيات الأمن العام وانحصرت به، بما يتعلق بحركة السفن لجهة دخولها وخروجها والأشخاص الذين على متنها، دون إعطاء الأمن العام أية صلاحية في ما خصّ البضائع التي تدخل في صلاحية رئاسة المرفأ. وكذلك وجد هذا القرار إلغاءً ضمنياً له بقانون تنظيم المديرية العامة للجمارك عندما حصر مسؤولية المستودعات الجمركية والعنابر بالجمارك ورئاسة مرفأ بيروت.
وللتذكير أيضا فإن المرسوم الإشتراعي الصادر عن رئاسة الجمهورية بموافقة مجلس الوزراء، له قوة تنفيذية إلزامية، تلغي القرار الوزاري الصادر عن وزير الأشغال العامة، وبالتالي فإن قرار وزير الأشغال العامة، وهو ليس وزير وصاية على الأمن العام، لم يجد له تطبيقاً في الأنظمة والقوانين والقرارات التنظيمية التي ترعى عمل الأمن العام في المرفأ، كما اعتُبر لاغياً ضمنياً بصدور المرسوم 2873 الذي صدر بعد عدة سنوات من القرار 1/31 وصدور المرسوم المتعلق بالجمارك.
إذن وفق القانون والمرسوم رقم 2873 ومعه تعليمات الجهاز الذي ينتمي اليه الضابط الموقوف، ليس من صلاحية للأمن العام بالإشراف على العنابر، وبالتالي لا يمكن تحميله أية مسؤولية تتعلق بالتقصير أو بالإهمال، فمتى يأخذ القاضي البيطار قراره بإخلاء سبيل المقدم الموقوف داوود فياض؟