المصدر: يا صور
“”180 ألف ليرة سعر كيلو اللحمة الغنم، أما البقر فينقصه بخمسين ألف ليرة”. هي أسعار اللحوم اليوم، التي ترتفع ولا تنخفض بحسب سعر صرف الدولار. القصّابون “يكشّون الذباب” معظم الوقت، فآخر ما يفكّر به اللبناني اليوم هو أكل اللحم، إذ أصبح يُعدّ من الكماليات ووجوده على المائدة بذخ وترف!
المبيع انخفض 75 في المئة
مبيع محمد (لحّام) في الضاحية الجنوبية تراجع 75 في المئة. بغضب عبّر لـ”النهار” عن الأوضاع التي لم يشهدها لبنان حتى في ظلّ الحرب، وقال: “لم نتوقّع يوماً أن يصبح ثمن كيلو اللحم عند هذا الحد يوماً. زبائني أصبحوا يطلبون نصّ أوقية، (اسمن حطوا لحمة بالطبخة)، وبعدما كانوا يعبّرون عن صدمتهم بالأسعار أصبحت يومياً أضع التسعيرة ستوري واتساب”.
وأضاف: “خفضت الكمية التي أشتريها إلى النصف ويبقى منها لليوم التالي. ما يحصل أمر لا يصدّقه عقل، فمن كان يقول أن يأتي وقت يعجز فيه اللبناني عن شراء اللحم. هذا الحديث يتعلّق بالطبخ، أما #المشاوي فأصبحت من الماضي، فقد كنا ننتظر نهاية الأسبوع لنبيع كميات كبيرة. أما اليوم فلم نعد نحسب حساباً لزبائنها، الذين وصلوا الى درجة يقسمون نصف كيلو اللحم على عدّة طبخات”.
“نسينا طعمتها”
قد يرتفع كيلو اللحم أو ينخفض 5 آلاف ليرة من منطقة إلى أخرى، لكن الثابت الوحيد أنّ عدداً كبيراً من اللبنانيين نسوا مذاقه بعد أن حذوفه من لائحة طعامهم. تقول هند لـ”النهار” بسخرية: “لولا صور #اللحوم المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي لنسينا شكلها أيضاً لا فقط طعمها”، مضيفة: “كيف لي أن أشتريها، وراتب زوجي لا يتجاوز المليوني ليرة، لدي 5 أولاد، ما يعني أنّ نصف كيلو منها لا يكفينا، فحتى الأرزّ لم يعد رخيصاً لنقول بأنه يمكننا الاستناد إليه في ظلّ الوضع الذي نمرّ به، ومع ذلك يبقى أفضل من عدمه. أركّز على البرغل والخضر، إلى حين أن يأتي فرج الله”، لافتة إلى أنه “منذ شهرين لم أقصد اللحام، منذ فترة وابني يطلب لحم بعجين، لكن كيف لي أن أدفع 150 ألف ليرة على وجبة، كيف نكمل بقية الشهر”؟!
عن أيّ لحمٍ تسألون؟!
حال هند لا يختلف عن واقع منال، الأم لثلاثة أولاد. زوجها عاطل من العمل، فحتى السكّر والأرزّ تنتظر أن يقدّمه لها الأخيار، تقول: “اضطرتني الظروف لأن أعمل لدى سيدة طاعنة في السنّ للانتباه عليها. راتبي مليون ليرة وإيجار منزلي 500 ألف، وكما هو معروف هناك فاتورة الكهرباء وحارس المبنى والإنترنت والهاتف، أي إنها لا تكفي حتى للفواتير. أما الطعام والشراب فننتظر كل يوم بيومه كيف يرزقنا الله. كنا في السابق نقول ما حدا بيموت من الجوع، لكن قد يأتي اليوم ونقول بأنّ هذه المقولة غير صحيحة، فنحن الآن ننام جوعانين، فعن أيّ لحمٍ تسألون ونحن نمضي وقتنا على ضوء الشمعة لعدم إمكانيتنا الاشتراك في مولّد”، مضيفة: “الله لا يوفق من سرقونا، ننتظر عدالة السماء بهم”.
نشتهي كلّ شيء لا اللحم فقط
“عندما أستطيع شراء علبة الحليب لطفلتي بعدها أفكر باللحم” قال هادي والغصّة تخنق صوته، مضيفاً: “لو كنت أعلم أنّ الأمور ستصل إلى هنا لما تزوجت وأنجبت، راتبي مليون ونصف المليون ليرة. أعمل موظفاً في سوبرماركت، ولا يكفي لخمسة أيام من الشهر. أصبحنا نشتهي الفواكه والخضر بل كل شيء لا اللحم فقط”. وعن المرّة الأخيرة حين تناولها قال: “قبل نحو شهر في منزل صهري في عزومة”، متسائلاً: “أما آن الأوان لنثور أمام منازل الفاسدين الذين سبّبوا كلّ معاناتنا، وما يرعب أكثر أننا لا نعلم ما ينتظرنا في الأيام القادمة”.
خَفض الكمّية
لم يكن أمام سهام إلّا خفض الكمية التي كانت تشتريها من اللحوم، وقالت: “في السابق كنت أضع أوقيتين من لحم الغنم في الطبخة اليوم استبدلتها بأوقية عجل. وبدلاً من 3 طبخات في الأسبوع اقتصر الأمر على مرة أو مرتين”، مشيرة إلى أنه “لا يمكنني أن أحرم أولادي من الطبخ من أجل صحّتهم. وفي المقابل توقفت كلياً عن شراء أيّ من الكماليات كاللباس وغيره، هي غيمة سوداء سيأتي اليوم وتغادر سماءنا”.
كابوس يهدّد الأحلام
“لا شكّ بأنّ الأزمة الاقتصادية أثّرت بشكل مباشر على حياة الأفراد وعلى نظرتهم للمستقبل، دافعة إياهم إلى تقليص حاجاتهم من الأساسيات والكمالية، بحسب ما قالته اختصاصيّة علم النفس هيفاء السيد لـ”النهار”، مضيفة:
“بات اللبناني يعيش في كابوس يهدد أحلامه وطموحاته نتيجة ضعف القدرة الشرائية،
ما دفعه للاستغناء عن سلع معيّنة تعدّ مصدراً غذائياً أساسياً،
والتي بافتقاره إليها تحدث تغييرات فيزيولوجية، وظيفية وصحّية”.
تأثيرات عديدة
افتقار إشباع الحاجات يترك كما قالت السيد “نتائج على الفرد والمجتمع،
منها اختلال التوازن والقلق من المستقبل الذي يظهر من خلال اضطرابات انفعالية وجسدية،
كضعف مقاومة الأمراض، الأرق، الحزن،
فقدان احترام الذات والشعور بالقلق، إضافة الى السلوكات السلبية وتوقع الأسوأ الذي قد يؤدي في بعض
الأحيان إلى المرض الجسدي نتيجة الإحباطات المتواترة.
وقد يصل الأمر لدى الشخص إلى حدّ الاستسلام واليأس والشعور بالعجز والرغبة بالانطواء”،
مشددة على أن الأمر “يتعلق بشخصية الفرد، بين من يحظى بنظرة التفاؤل،
الثقة بالنفس والإيمان بقوّة الخالق وبين من لا يملك هذه الصفات”.
في الغالب ونتيجة ما مرّوا به على مدى عقود، يتحلى اللبنانيون بالمرونة في الأزمات،
لكن وقع #الانهيار الحالي سلبهم عادات وأٍسلوب حياة بشكل مفاجىء. فحتى الدعوات العائلية على الغداء أو العشاء باتت صعبة،
وحتى أيضاً اجتماع العائلة على غداء المشاوي يوم الأحد بات محصوراً بقلة قادرة.
ليست اللحمة فقط ما يرتبط بموروثات وتقاليد في العطل والأعياد والمناسبات،
هناك الكثير الكثير مما خسره اللبنانيون بسبب قلة مسؤولية حكامهم.
“المصدر: مقال تحت عنوان “اللحمة أسعارها نار والمشاوي “باي باي”…
اللبنانيون يخسرون عاداتهم العائلية المحبّبة أيضاً” لاسرار شبارو في النهار