بقلم غسان ريفي – سفير الشمال
دقت طرابلس ناقوس الخطر، بعدما اعطت نموذجا عما يمكن ان تكون عليه الاوضاع الامنية في البلاد بطولها وعرضها بحال استمرت الازمات المعيشية والاجتماعية والاقتصادية على حالها، في ظل انفصال كامل للدولة رئيسا ومسؤولين عن الواقع، بما يدفع المواطنين الى اليأس ويخرجهم عن طورهم.
ربما تأخرت طرابلس في الاقدام على هذه الخطوة الغاضبة، خصوصا ان ما تعيشه مناطق لبنانية اليوم من معاناة، خبِرَتها طرابلس منذ عقدين من الزمن، ثم جاءت الازمات المستجدة لتراكم الصعوبات والمآسي على كل صعيد، وصولا الى الانفجار الذي اشتعلت أمس اولى فتائله من المناطق الشعبية الطرابلسية..
بغض النظر عن كل التنظير الحاصل في عمليات اطلاق النار، وما اذا كانت منظمة او مدبرة او مخطط لها، وبغض النظر عن التحليلات المتعلقة بكيفية حصول فقراء المدينة على هذا الكم من الرصاص الباهظ الثمن في ظل الارتفاع الجنوني لسعر الدولار، فإن ما جرى في طرابلس امس، لا بد من التوقف عنده مليا، نظرا لخطورته الكبرى ليس على عاصمة الشمال فحسب وانما على كل لبنان، خصوصا ان شرارة الحروب التي عاشتها دولا اقليمية عدة كان سببها، إما الاعتراض السياسي او الاحتجاج المعيشي، في حين أن لبنان يواجه الاثنين معا، اضافة وجود سلطة غير مسؤولة تعيش حالة انكار وتفتش عن مصالحها ومكاسبها على حساب شعبها الذي يكاد يلفظ انفاسه الاخيرة فيما هي تتلهى بتعطيل تشكيل الحكومة بسبب الثلث المعطل والحصص الوزارية.
لم يعد خافيا على احد ان طرابلس مستهدفة، وان تحركاتها الاحتجاجية غالبا ما يُحسب لها الف حساب انطلاقا من حساسيات اوقعتها سابقا في جولات عنف بعناوين مختلفة، وحولتها الى صندوق بريد لتبادل الرسائل النارية وساحة مفتوحة لتصفية الحسابات، وما عمليات إحراق البلدية والمحكمة الشرعية وإستهداف الجيش في إحتجاجات سابقة ببعيدة عن الرسائل السياسية أو الأمنية.
لذلك فإن الاوضاع المزرية التي تعيشها طرابلس وشعور اهلها بالظلم وبأنهم باتوا يفتقرون الى ابسط مقومات الحياة من كهرباء ومحروقات وغذاء ودواء، والتحركات الغاضبة التي يقومون بها قد تغري بعض المتربصين شرا بلبنان عموما وطرابلس خصوصا في استغلال هذه الاحتجاجات لتنفيذ اجندات سياسية او امنية او لطرح مشاريع مشبوهة قد تغري بعض فاقدي الامل للانخراط فيها.
ما شهدته طرابلس بالامس أعاد المدينة بلحظة الى اجواء جولات العنف وانتشار المسلحين وقادة المحاور والى مسلسل رمي القنابل اليدوية التي هزت اجواء المدينة نهارا وليلا على وقع إطلاق النار الكثيف والمتقطع، ما يؤكد ان الامور ذاهبة نحو مزيد من التأزم ،في حال لم تجد الدولة حلولا سريعة للازمات الملحة التي يشعر المواطنون أنها تقودهم شيئا فشيئا الى جهنم التي سبق وبشّر بها رئيس الجمهورية.
يمكن القول، إن طرابلس تجاوزت قطوعا أمنيا كبيرا، خصوصا أن السلاح منتشر بين أيدي المواطنين في كل المناطق اللبنانية، وباب الاستغلال مفتوح على مصراعيه، كما أن الأوضاع الصعبة للمؤسسة العسكرية وللأجهزة الأمنية التي تعاني الأمرين من هذه الأزمات ليست في معرض مواجهة الشعب اللبناني الذي، كما العسكر، طفح الكيل لديه مما يحصل، لذلك على السلطة السياسية التنبه ومراجعة حساباتها والتفتيش عن حلول سياسية وإجتماعية، لأنه “ليس في كل مرة تسلم الجرة”.