المصدر: ليبانون ديبايت
قضىَ الأمر. رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري تقدّم باعتذاره عن تأليف الحكومة إلى رئيس الجمهورية ميشال عون. كان ذلك متوقعاً، وجاء بعد جلسة عاصفة بينهما، رغم النصائح التي أُسديت إليه (احداها من مصر) بوجوب عدم الإعتذار.. لكن الحريري أبى وتكبّر. رسم السيناريو منذ اليوم الأول، وانتظر الظرف المؤاتي لكي يطبّقه بدليل مقابلته عبر “الجديد”.
الآن ماعاد البحث عن الأسباب التي أدت إلى اعتذار الحريري مجدياً. تلك الأسباب ما عادت خافية على أحد، وأهمها فقدان الثقة بين الرئيسين. الآن يجب رسم صورة عن الأيام التي ستلي الإعتذار. ماذا سيحصل أو ما هو المخطط أن يحصل؟ كيف سيتصرّف العقلاء؟ وإلى أي درجة سينحو الشارع؟ وعند أي سقف سيستقر سعر صرف دولار “المنصات” الذي فَلت من عقله بعد 3 دقائق على إعلان الحريري اعتذاره!
السيناريو الآن، وبمعزل عن الأسباب، بات محصوراً بالعودة إلى الشارع. “كتيبة الدواليب” تحضّر نفسها وبقوة لغزوة “أو “غزوات ليلة” رفضاً لـ”تقليع زعيم السُنّة”. رجالات تيار “المستقبل” كانوا قد وُضعوا بصورة ما قد يحصل، في الغرف وفي الشارع. وكتلة “المستقبل” النيابية كانت قد تبلغت بنية الحريري الإقدام على الإعتذار في حالة “تدخل” رئيس الجمهورية بالتشكيلة. الحريري يرفض تدخل الرئيس إذاً، ولا حتى “السماح” له بمناقشته من التوزيعة إلى الأسماء. رمى تشكيلة “مسلّحة بمؤقت زمني” في حضن الرئيس ومشى، وفرض عليه معياراً جديداً ألا وهو “الموافقة والاّ”. رئيس الجمهورية أبى. أصرّ على مناقشة الحريري بمضمون التشكيلة إنطلاقاً مما يمنحه الدستور من حق. الحريري رفض بذريعة أن هذا ما لدي. إنفرط الاجتماع ومضى الرجل إلى منبره معتذراً. هناك 3 متضررين -مغلوبين- في هذه الحالة: الناس التي تنتظر الحكومة وملّت الانتظار، سعر صرف الدولار الذي سيطير، ورئيس مجلس النواب نبيه برّي!
ما فعله الحريري خلال جلسة الـ25 دقيقة، يوحي بأن الرجل كان يرتكز إلى عوامل قوة تصرف من خلالها أو اتكأ عليها، وربما استنبطها من دعم خارجي تلقاه قبل ساعات. الرجل تصرّف أمام الرئيس بشدّة مفرطة، كأنه كان يقول له “هذه تشكيلة أمر واقع وعليك القبول بها”. لم يقبل الرئيس هذا الأسلوب الفج. وضع تصرّف الحريري في إطار “تقشيطه صلاحياته”، وإنفاذاً لأهداف خارجية تُحاكي الرغبة من تقويض حضوره.
الآن، سعد الحريري أصبح خارج اللعبة. يعتقد أنه وبفعلته تلك قد وضع الرئيس “في بوز المدفع”.
تقنياً، يفترض بهذه الحالة أن يقبل رئيس الجمهورية اعتذاره ومن ثم يرسل بطلب رئيس مجلس النواب ليتناقشا
سوياً في الموعد المثالي للدعوة إلى استشارات نيابية جديدة لاختيار الخلف. هذا يفرض أولاً وجود مرشح قبل أي شيء آخر.
هذا نظرياً، أما واقعياً فإن هذا السيناريو قد يصبح مُحالاً تنفيذه، أو متعذراً،
بسبب كمية الإحتقان التي ولّدها الحريري حين اعتذر، ولكونه قد خرج بهذا الشكل “العنيف”،
حيث لا بديل عنه ولم يسمِّ بديلاً عنه ولم يلتزم بالتفاهمات وقال عبر “الجديد”
أنه وكتلته لن يسميا أحداً، وهذا ينطبق على الثنائي الشيعي الغير مستعد للمغامرة بطرح أي اسم،
ولقاء رؤساء الحكومات السنة الأربعة السابقين أبلغ عدم رغبته بتسمية أحد أو دعم أحد.
كل ذلك يحول دون أن يمضي الرئيس إلى تحديد موعد للإستشارات في المدى المنظور.
زِد على ذلك أن بري يعيش أسوأ لحظاته، ويغلي من الغضب! الأسوأ،
وفيما لو قرر الرئيس المغامرة في تعيين موعد الاستشارات من خارج التنسيق، قد يفتح البلاد على اشتباك سياسي
“ألعن” من الذي نشهده، ومن المحتمل في حال دعا وحصلت الإستشارات ورست النتيجة على إسم معين،
ألا يتقبل “المكون السني” الذي يمثله سياسياً الآن الحريري + رؤساء الحكومات ذلك، وينزعون الثقة عن المسمى،
ما سيحوله وفي ظل الإشتباك الراهن المتشابك بين سياسي وطائفي إلى نسخة “يا محلا” نسخة حسان دياب أمامها، هذا إن وُجد شخص للخوض في المهمة!
عملياً يعني ذلك الفراغ الذي يدعي الحريري أنه ضده! الفراغ في وضعنا الحالي،
غير الطبيعي وغير السليم، لمؤذٍ، وقد يستجدي تدخلاً دولياً بهامش وصاية أوسع، بذريعة أن البلاد ينهار ويحتاج إلى حكومة،
ورجال هذا البلد “عصاة” على الحل. وخطوة الحريري يمكن إدراجها في خانة “استجداء التدويل”
وفي هذه الحالة قد تتوفر ظروف التدخل بشكل أنشط، ولما لا، قد تصبح الدول التي “تفلّت”
سفراءها علينا في وارد إجراء “تدوير” على مفهوم “مجلس القناصل” وجعله “مجلس إنتداب”!
يفرض –أو يحاول أن يفرض- –تحت خطر الفراغ وتعميق الإنهيار- رئيساً لمجلس الوزراء،
تماماً كما حدث حين فرض الفرنسيون –بالتنسيق مع الألمان- رئيساً مكلفاً اسمه مصطفى أديب.
وفي ظل أن تلك الدول، لا ترى حالياً أمامها سوى الإنتخابات النيابية التي تسعى من ورائها إلى إعادة إنتاج السلطة
وفق معاييرها، قد تجد من هذه الذريعة باباً إضافياً للتدخل،
وقد يؤدي ذلك في حال حصوله إلى اشتباك داخلي أوسع في ظل رفض شريحة لبنانية سياسية واسعة “
منطق الإملاء”. ولعدم الوصول إلى هذه المرحلة، تردّد بُعيد الإعتذار أن “الثنائي الشيعي” سيعيد تنشيط محرّكاته
بإتجاه أن يناقش الحريري باعتذاره عندما تنجلي العاصفة، ولحينه، سنمضي إلى مواجهة مفتوحة.
الآن ماذا عن إقتراح تسمية رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي؟ عملياً،
الرجل أبلغ إلى زملائه في “نادي الأربعة” عدم رغبته في المهمة، لكن كلام الصالونات يشير عكس ذلك.
يتحدث عن أن ميقاتي قد يقبل في حال توفّرت له المقومات والإلتزامات.
ويُحكى في هذا الإطار أن ميقاتي “يربط الموافقة على المهمة بإعادة تكليفه مجدداً لرئاسة حكومة ما بعد الإنتخابات”،
لسببين: لكونه يحمل “برنامج عمل” ومحال تطبيقه ضمن مهلة 9 أشهر،
وتعويضه عن عزوفه عن الترشح للإنتخابات، وثمن هذه الأخيرة يفترض أن يقبضه من الحريري حيث ستُجيّر
لصالحه قاعدة ميقاتي الشعبية الطرابلسية.