المصدر: النشرة
طوت التشكيلة الحكومية التي قدمها رئيس الحكومة المكلّف السابق سعد الحريري صفحة سياسية تتجاوز مسألة مجلس وزراء جديد. هناك ثلاثة شخصيات تترأس أحزاباً تحالفت مع بعضها منذ عام ٢٠٠٥ تحت عنوان “١٤ آذار” هي: “المستقبل”، “القوات” و”التقدمي الاشتراكي”. الاّ أن إنفراط عقد التحالف المذكور أطاح تدريجياً بالترابط بين الثلاثي، لكن لم يتضح حجم التباعد بينهما الاّ بعد إنهيار حكومة الحريري الأخيرة.
كان رئيس “القوات” سمير جعجع عاتباً على الحريري بسبب تحالف الأخير مع رئيس التيار “الوطني الحر” النائب جبران باسيل، لكن بقي الأخذ والرد بين “بيت الوسط” ومعراب طويلاً، لغاية اتخاذ جعجع قرار مغادرة الحلف مع الحريري. لم يُعرف وقتها فعلاً إذا كان جعجع إنسجم مع توجه المملكة العربية السعودية بالإبتعاد عن رئيس التيار الأزرق، أم أن رئيس “القوات” يعترض على سياسات الحريري التي تنسجم مع خصوم جعجع أكثر مما هي حليفة لمعراب. بجميع الأحوال وقع الفراق بين حليفي الأمس، بسبب خيانات سياسية متبادلة، من دون وجود مؤشّرات لغاية الآن توحي بإمكانيّة إعادة الوصل بين الحريري وجعجع. الا إذا كان قرار رئيس الحكومة السابق هو بإعادة التموضع السياسي الداخلي ضد “حزب الله”، كما أظهرت وقائع المقابلة الأخيرة له. فهل يرحّب جعجع بعودة “المستقبل” الى مساحته النارية ضد “حزب الله”؟.
على خط آخر، يبدو ان رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط يمارس لعبة الإستدارة السياسية بالإبتعاد عن بيت الوسط والتقرب من بعبدا. يُقال ان هناك شخصيات درزية نصحت جنبلاط بالتحالف مع “الوطني الحر” في الجبل، وترجمة التموضع الجديد في الإنتخابات النيابية المقبلة بعد بضعة أشهر. هناك رغبة قويّة لدى الثنائي النائب
طلال ارسلان والوزير السابق وئام وهاب لدفع المختارة نحو التحالف الانتخابي مع ميرنا الشالوحي.
وتوحي كل المؤشرات أنّ رئيس “الإشتراكي” بدأ يمارس الإستدارة السياسية نتيجة قراءته
في مستجدّات الساحة الاقليميّة إثر بروز معطيات استراتيجية:
خروج الأميركيين من المنطقة، التفاوض بين طهران وواشنطن،
عودة الحرارة العربية الخليجية الى دمشق. مما دعا جنبلاط الى اتخاذ قرار التوجه نحو “الرابح” وترك “الخاسر”.
اما الحريري فهو بات شبه وحيد في الداخل والخارج: لم يجد غير رئيس مجلس النواب نبيه بري بجانبه لبنانياً،
ومصر وروسيا خارجياً، بشكل نسبي ايضاً. لم يستطع هؤلاء أن يقدموا للحريري سوى النصائح والدعم المعنوي.
ويقول مطّلعون ان قراءة الحريري للواقع جعلته يعيد النظر بسياساته وتحالفاته. لذلك اظهر خلال مقابلة قناة “الجديد”
رغبة بأن يراضي السعودية عبر مهاجمته “حزب الله”. لكن الرياض لا تُظهر للتيار الأزرق أي إشارة تعبّر عن رضاها عنه لغاية الآن.
ويقول عارفون إن “المستقبل” سيعمد الى استخدام كل الوسائل الشعبوية
ذات الابعاد الطائفية والمذهبية لتجييش جمهوره ضد “الوطني الحر” و”حزب الله”،
وسيرفع من منسوب خطابه حتى موعد الانتخابات النيابية. علما ان هناك
من يعتبر ان الخطابات الطائفية والمذهبية لم تعد تفيد، ولا تقنع المواطنين العالقين في قعر الأزمة المعيشية الحالية.
اذا استند الحريري الى التصعيد ضد الحزب، فهو سيخسر حلفه الداخلي الوحيد
مع برّي الذي ينحاز اولاً وأخيراً الى “حزب الله” ويشكلان معاً ثنائيّة شيعيّة غير قابلة للتفكّك لا في السياسة ولا في الانتخابات.
وفي حال أعاد الحريري نفسه الى مربّع السعوديّة، فهل تعود الرياض لإحتضان “المستقبل”؟
أم ان المملكة أوصدت ابوابها في وجهه، ولم تُفلح لا الامارات ولا مصر بإعادة فتح تلك الابواب؟.
كل ذلك يؤكد ان الحريري امام خيارات سياسية استراتيجيّة صعبة ومستقبل سياسي ضبابي،
سيزيد من صعوبته قرار عدم تسميته أيّ بديل منه لرئاسة الحكومة.