المصدر: ch23
عندما أعطى الرئيس سعد الحريري الرئيس العماد ميشال عون، قبل أن يعتذر، مهلة 24 ساعة للردّ عليه سلبًا أو إيجابًا في شأن التشكيلة الحكومية التي حملها إليها، خرج رئيس الجمهورية إلى بهو القصر الجمهوري، حيث كان الصحافيون متّجمعين وينتظرون ردّة الفعل على الفعل، فكان له كلام معهم على الواقف بهدفين: الأول، ليقول للجميع إنه لا يزال في أتمّ العافية، وثانيًا ليمرر رسالة إلى جميع الذين يعتقدون أن الرئاسة غيرّت من طباع “العماد”، فقال كلمته الشهيرة: “الرئيس الحريري بيأمر”.
عندما سمع أحد السياسيين المخضرمين، والذي أكل الدهر عليهم وشرب ما قاله الرجل إكتفى بالتعليق: هذا هو ميشال عون اليوم وأمس وغدًا. لم يتغيّر ولم تغيّر السنون من شخصيته على رغم تقدّمه بالسن، وعلى رغم التجارب التي مرّ بها، والتي كان يُفترض أن “تبردخه”، وأن تجعل منه رئيسًا لجميع اللبنانيين وليس رئيسًا لفئة معينة منهم. وهذا ما فعله عندما إستقبل منذ ما يقارب السنة تظاهرة من أنصاره ومؤيدي مواقفه في باحة القصر الجمهوري، ومنع على غيرهم حتى حقّ التظاهر على الطريق التي تؤدّي إلى القصر الجمهوري، عفوًا “بيت الشعب”.
فالرئيس ميشال عون هو نفسه لم يتغيّر. فهو يتصرّف اليوم بصفته الرئاسية تمامًا كما كان يتصرّف يوم عُيّن رئيسًا لحكومة إنتقالية لهدف واحد ووحيد وهو تأمين إنتخاب رئيس للجمهورية. يومها إستطاب الجلوس في بعبدا، ولم يخرج منه إلا تحت وابل الصواريخ السورية في ملالة نقلته من القصر المدّمر إلى السفارة الفرنسية.
وعلى رغم عدم ميثاقية الحكومة العسكرية بعدما إستقال منها الوزراء المسلمون ولم يبق معه سوى وزيرين عصام أبو جمرة، تركه بعد طول معاناة، وإدغار معلوف طيّب الله ثراه، إستمر “دولة العماد” يقارع طواحين الهواء”، وأفتعل حربين في وقت واحد “حرب التحرير” و”حرب الألغاء”، مع ما نتج عنهما من كوارث وآثار سلبية إنعكست على كل الوطن.
إكتفى يومها بوزيرين وأراد من خلالهما أن يحكم شعبًا بأسره، وفعل المستحيل ليطيل فترة بقائه في بعبدا، التي رجع إليها هذه المرّة رئيسًا للجمهورية، ولكنه ما زال يتصرّف مع شريكه في الوطن وكأنه لا يزال في العام 1988.
رفض التجاوب مع أي صيغة طرحها عليه الرئيس المعتذر، وأنهى نحو تسعة اشهر من “تضييع” الوقت والفرص السانحة بخمس كلمات قالها للرئيس الحريري، الذي إكتشف بعد فترة من المدّ والجزر، أنه من المستحيل التعايش مع الرجل تحت سقف شرعي واحد، ففضل الرحيل غير آسف. وقد يكون هذا هو لسان حال أي شخصية سنّية غير مطواعة لإملاءات “الجنرال”، الذي يبدو أنه مستغنٍ عن أي رئيس حكومة، حتى رئيس حكومة تصريف الأعمال، فنراه يترأس إجتماعات وزارية لمتابعة عمل الوزارات والتدّخل في عمل كل وزير وإعطاءهم ما يراه مناسبًا ومنسجمًا مع نظرته لأمور الحكم.
وهكذا سيمضي الرئيس عون ما بقي له من فترة رئاسية من دون حكومة ولا رئيس حكومة ما دام يعتبر أن وجود رئيس حكومة من عدمه سيّان، لأنه يرى نفسه البديل عن كل السلطات، وهو يرى في شخصه الأهلية لإختصار كل هذه السلطات من دون أن يشكّل له ذلك أي حرج. ومن يفعلها مرّة يفعلها أكثر من مرّة، وهو مستعد لتكرارها عند كل إستحقاق.
السياسي المخضرم نفسه يتمنى ألا يتكرر مشهد خروج الرئيس عون من قصره في تشرين العام 2022 كما حصل في تشرين العام 1990.