كتب أديب أبي عقل
من المؤكد أن الرئيس نجيب ميقاتي الذي سُمّي أمس لتأليف الحكومة الجديدة لن تكون مهمّته سهلة لأنه تسلّم كرة نار لاهبة، ويتحرّك على صفيح سياسي ساخن، وعلى أرض تميد بالسخط والغضب الشعبي حيال لامبالاة المسؤولين وتقصيرهم الفاضح الذي أوصل البلاد إلى الانهيار الكامل في كل المجالات والقطاعات داخليا، وإلى الدولة الفاشلة الفاقدة الثقة والاحترام خارجيا.
ومهما تكن نية الرئيس المكلّف حسنة واستعداداته جيدة لحمل صفة الانقاذ وتجاوز المواقف الثائرة والمعترضة التي وضعته ضمن مقولة “كلن يعني كلن”، إضافة إلى الاستدعاءات القضائية في حقّه، فإن الظاهر حتى الآن أنه لن يخرج، ولن يكون في مقدوره ذلك، عن الخط البياني الذي رسمه سلفه الرئيس المكلف المعتذر سعد الحريري في التشكيل، وتبنّاه نادي رؤساء الحكومة السابقين تحت عباءة دار الفتوى. وتاليا، عليه مواجهة طريقة التعاطي نفسها معه. ومن يعرف الرئيس المكلّف من كثب يدرك أنه يخفي وراء مرونته الظاهرة شخصا صعب المراس، وشديد التمرّس، بحيث لا يمكن أحد أن يأخذه إلى حيث لا يريد هو.
وإذ سيسمع الرئيس المكلف الكلام المعسول التسهيلي لمهمّته والاستعداد للمساعدة في هذه المهمة التي يمكن تسميتها بـ “وقف الانهيار قبل الانقاذ”، فإنه سيصطدم بلا شك، بالمطالب والشروط، التي كبّلت وعرقلت مهمة السلف، باعتبار أن المرحلة المقبلة، باستحقاقاتها النيابية والرئاسية، هي مرحلة “أخذ” مواقع سلطوية وتقريرية ما أمكن، وليست إطلاقا مرحلة “تنازلات” عن طموحات ذات صلة بها، وإلا كانت الأمور سلكت طريقها إلى الحلّ مع الرئيس المكلّف السلف.
والأهم من ذلك، هو أن التكليف ومسار التأليف يقعان زمنيا على مسافة أسبوع ونيّف من الذكرى الأولى لجريمة المرفأ، التي لم تندمل جراح أهالي شهدائها وضحاياها الأبرياء بعد، في موازاة الاستعدادات الجارية لتحركات مطالِبة بالحقيقة، خصوصا وأن الجهات المعنية تبدو غير مسهّلة تماما بعد للخطوات الواجب اتباعها للوصول إلى الحقيقة.
وفي القراءة السياسية للواقع الراهن، يبدو واضحا تماهي بعض الجهات، عن قصد أو غير قصد، مع المواقف النيابية لبعض الكتل الرافضة رفع الحصانات عن نواب، طلب المحقق العدلي ملاحقتهم لمسؤوليتهم الوزارية في الجريمة ولاقاهم في ذلك الوزراء المعنيون الذين رفضوا بدورهم إعطاء الأذن بملاحقة موظفين أمنيين وإداريين استدعاهم التحقيق.
والمخجل المخزي في هذا الموضوع، وبعد فتاوٍ واجتهادات لـ “جهابذة” القانون ومفوّهي التشريع “غب الطلب”،
هو تنطّح بعض النواب إلى اعتبار ما يطالب به الأهالي المجروحون من رفع حصانات شعبويا،
مشيرين إلى أن هناك “أصولا” و”قوانين” يجب احترامها واتباعها، في حين أن ممارساتهم،
وممارسات الكتل التي ينتمون إليها، داست على الأصول واستباحت القوانين في محطات ومفاصل أساسية،
لا تزال ماثلة أمام اللبنانيين، وكذلك تقاعسهم الواضح والمقصود في غالبية الأحيان
عن القيام بما يمليه عليهم الضمير الوطني ومسؤولياتهم العامة في حماية القانون وحقوق اللبنانيين.
المخجل المخزي أن يغيب عن هؤلاء أن القانون يمنع تهريب الغذاء والدواء والمحروقات المدعومة
من أموال اللبنانيين الصابرين المنتظرين انتهاء الكرب والمحنة التي أوصلهم إليها هؤلاء.
المخجل المخزي أن يغيب عن هؤلاء أن تفجيرا أودى بما يزيد عن مئتي شهيد وألوف الجرحى ودمّر ثلث “ست الدنيا”،
هو أهم من أية حصانة نيابية كان يُفتَرض بالمستدعين إلى القضاء أن يبادروا من تلقاء أنفسهم إلى طلب رفعها،
والمثول إراديا أمام القضاء، للإدلاء بما لديهم من معلومات ومعطيات تنير التحقيق وتوصل إلى كشف الحقيقة.
المخجل المخزي أن يلعب هؤلاء لعبة المصالح الخاصة والطموحات الشخصية،
والإدلاء بأطروحات أمام الإعلام والرأي العام هي نفسها شعبوية، وتاريخهم في هذا المجال ناصع ولمّاع وبرّاق،
وتجاهل التشريعات اللازمة والمطلوبة للمعالجة،
في وقت يهرولون لحضور جلسات تتضمّن في جدول أعمالها مكاسب لهم، بعد تلقيهم التعليمات
بذلك من أسيادهم المحلّيين للبعض منهم، والخارجيين للبعض الآخر.
المخجل المخزي في مثل هذه الأنواع من البشر، هو أنهم لا يخجلون من ضميرهم ومن الارادة الشعبية التي
وضعتهم حيث هم اليوم، وينقضّون عليها بلا شفقة أو رحمة وينعتونها بالشعبوية …
فعلا “يللي استحوا ماتوا”…