رسالَة مَفتوحَة إلى الرئيس ميقاتي: شو يا نجيب.. إذا مش التنين الخميس!

المصدر: ليبانون ديبايت

دولَة الرئيس،

يحتَرِقُ بَلَدي منذُ 17 تِشرين 2019 دونَ أن نجِدَ إطفائيّاً واحِداً يُخمِدُ نارَه. حتّى المياه مَقطوعَة في خَراطيمِ الإنقاذ. بلادي مَوجوعَةٌ حتّى العَظْم وأبناؤها يتابَّطونَ الرَّحيلَ على دَمعٍ مِن زَبَد. تستِقبِلُهُم موانئُ العالَم مِن دونِ مبالاة ويسحقُهُم الحَنينُ المستَحيلُ للعودَة. يَعودونَ بِأوهامِ الأماني ويَغترِبونَ بِحقيقَةِ القهرِ والقِلَّة.

تَكليفُكُم دَولَةَ الرّئيس أعادَ للأوصالِ حِراكَها. مِن حَلاوَة الرّوحِ صَحيح، إنَّما بِرجاءٍ مِن صَخر وإرادَةِ حَياةٍ تهزأُ بالنُّعوش. يَكفي أن نسمَعَ الكلماتَ القَليلَةَ التي أطلقتُموها في الأيامِ الأخيرَة لنشعُرَ أننا أفضلُ حالاً. نحتاجُ والله يا دَولَةَ الرئيس إلى كلمَةٍ واحِدَة أو نِصف كَلِمَة لننهَضَ وأنتم قلتُمُوها. ذلَّلنا أغلَبَ العَقبات. سأزور قصرَ بعبدا مراراً وتَكراراً. لا أفكّرُ إلا بالشّعب.

أشرتَ إلى أنَّكَ لَن تتكلّمَ كَثيراً. كُن مِكثاراً رَجاءً دولَة الرّئيس ولا تكُن مقِلّاً. جَميلٌ أن تَحِلَّ الحكمَةُ مَكانَ الثرثَرَةِ وأن تجلِسَ الحروفُ تحتَ نِقاطِها مُرتَّبَة. أجمَعَتْ عليكَ كلُّ القِوى والأهمُّ قوّةُ شعبِكَ التي تَرى فيكَ رجلَ المرحَلَة.

خِفنا على غَطائِكَ في بيئَتِكَ القَريبَة والبَعيدَة. الحَقيقة أنَّ الأغطيَةَ كانَت بِحاجَةٍ إليك. لَم تَطلُب شيئاً مِن أحَد. يتردّدُ صدَى كلمات مَنصور الرّحباني في سلوكِك المُتعالي: ” أقوى شي اللي ما بِدّو شي “. أشِحْ عَن الطُّفيلياتِ الحوّاماتِ في مداراتِ نَميمَتِها. هيَ لا تفكِّرُ سِوى بِتَنجيدِ كَراسيها. تَنمو عَلى جلدِ الحَسَدِ وتُفَقّسُ بثوراً بَشِعَة.

دولة الرئيس، إمضِ في رحلَتِك. أكبِحْ جُموحَ النقدِ النّادِر وأطلِق عِنانَ النّقدِ البَنّاء. خاطِبْ صندوق النّقد بِهامَةٍ مَرفوعَة. وفِّرْ للناسِ طمأنينَةَ الرّغيفِ وحاجةَ الدّواءِ وبَحبِحْهُم بِما يُيَسِّرُ أمرَهُم ويستُرُ عُريَهُم. لا تترُكهُم عِرضَةً للجشَع والطّمَع مِن تُجّارٍ بِلا وَرَع.

أَنِرْ شَوارِعَنا المُعتِمَة. أَعِد إعمارَ مَرفأنا المُدمَّر. لا تلتَفِت ْإلى الشَتّامينْ. إحفَظْ الأمنَ وصُن كَرامَةَ جيشِنا والقِوى المسلَّحَة. إِحمِ حدودَ لبنان بَرّاً وَبَحراً. ساعِد الصِّناعيَّ والمُزارِعَ وأعضُد أصحابَ الحِرَفِ والمؤسساتِ الصّغيرَة. حاسِب بِحَزم. دَقِّقْ بكلِّ قِرشِ حَرامٍ بَلَعَهُ إبنُ الحَرام. إنفَتِحْ عَلى الجَميع. ما عَرفناكَ إلا مُنفَتِحاً ومُحاوِراً ومُدَوِّرَ زَوايا وصانِعَ تَسويَات.

أُكسُرْ الإحتِكارَ وأَربابَهُ. قُدْ شَعبَكَ إلى النومِ الهَنيء والشبعِ الهانِئ والأحلامِ الوَثيرَة. تَعِبَ الناسُ دولَةَ الرّئيس مِن الأرَقِ والإمعاءِ الخاويَةِ والكَوابيس. كُن سنيّاً وشيعيّاً ومسيحيّاً ودرزيّاً وكُن كل الطوائِفِ مرسومَةً في رجلٍ واحِد. صَلِّ كلّ رَكعاتِك. صلِّبْ بالثلاثَة. صَلِّبْ بالخَمسَة. إحمِل صليبَكَ واتبَعْ لبنان هذا المصلوبُ على خشبَةِ الإنتِظارِ منذُ عُقود. أُلجُمْ سفاراتَ التسليَةِ بأقدارِنا. إرتَقِ بإعلامِنا. عَبِّدْ طرقاتِنا. أَدفِئْنا شِتاءً واكسِرْ قَيظَنا صَيفاً. شرِّعْ بَحرَنا لأرجُلِ الأطفال وفقراءِ الشّواطئ.

نظِّفْ أنهارَنا مِن السّمَكِ النافِقِ ونِفاياتِ المَصانِعِ وقمامَةِ الأخلاق. أُعف عَن صِغارِ النشّالين وَوَسِّع السّجونَ لِكبارِهِم. أحِطْ نفسَكَ بالعُقَلاءِ والنُّظَفاءِ والنُّجَباء. حانَ وقتُ هؤلاء بعدَ عقودٍ تسلطَّ فيها الحَمقَى ومُتَّسِخي الأيدي والتُّفهاء الرُّوَيبِضَة. أدخُلْ إلى دوائِرِ الدّولَة بِعَصًا غَليظَة. رَدِّدْ ما قالَه الرّسول: ” وأيمُ اللهِ لَو أنَّ فاطِمَةَ بِنتَ محمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعتُ يَدَها ” ولا تنسَ عبارَةَ يسوع في الهَيكَل ” هذا بيتُ أبي وقَد جَعلتموهُ مَغارَةً للصوص “.

دَولَةَ الرّئيس، حسناً تَأَمَّنَتِ الضّماناتُ لِتسهيلِ تَكليفِكُم. فَلتَكُنْ ضَمانَتُكَ كَما أَشرت، شَعبُكَ وبلَدُكَ وحكمُ التاريخِ عليك. حرِّر لبنان مِن التعصُّبِ والتّقوقعِ والضّغائِنِ وأحقادِ الحَرب. إنفتِحْ عَلى الجِوارِ العَرَبيِّ بنبرةِ عُمَر مُختار وعَلى الغربِ مُتَّكِئاً على صخرَةِ جَلاءِ نَهرِ الكَلب. فَليَكُنْ عهدُكَ في رئاسَةِ الحكومَة عهدُ مهرجاناتِ بعلبك. حَوِّلْ أَرضَنا إلى مِنصّةٍ يتبارَى فيها الكُتّابُ والرسّامونَ والنَّحاتونَ والفَنّانون. أثِرْ غيرَةَ عَواصِمِ العالَم مِن بيروت.

إذهَبْ إلى السّعوديَّة. إذهَبْ إلى إيران وسوريا والعِراق وفلسطين وأوروبا وأميركا وإلى مَجاهِلِ الأمازون وحيثما أَرَدْت. إحمِلْ مَعكَ لبنان. تَعرِفونَ يا دولَة الرّئيس كَم أنَّ إسمَ بلدِنا يَكفي وحدَه لِيُلزِمَ العالَمَ كلَّه بالوقوف.

منذُ أسابيع قالَ غويندال رويار رئيس لجنَة الدّفاع في الإتحاد الأوروبي أنَ ” لبنان كما نعرِفُهُ لَم يَعد مَوجوداً “.

قُل لِهذا الرّجل الذي لَم يتسنَّ له التمتّع بنسماتِ وادي ” ألفونس دو لامرتين ” في بحمدون :

” لبنان كما نعرِفُهُ عائِد ، إنه فَقَط في غرفَةٍ جانبيَّة يُكفكِفُ دموعَهُ ليعودَ إلى محبّيه وإلى تَصفيق العالَم.

مع تكليف الرئيس نجيب ميقاتي مهمّة تشكيل الحكومة،

تكون البلاد قد دخلت مُجدّداً في مُنعطف سياسي جديد عنوانه “الفرصة الأخيرة”

لاستعادة لبنان دوره الطبيعي من خلال العودة إلى الحضانة الدولية،

بعدما لمس اللبنانيون استخفاف السياسيين بهم وبحياتهم، والتراجع الصحّي والإقتصادي والأمني الذي شهده بلدهم

من جرّاء هذا الإستخفاف. ولعلّ أبرز ما في هذا التكليف،

وجود بصمة “حزب الله” الذي شذّ عن القاعدة هذه المرّة من خلال منحه أصوات نوّابه لميقاتي،

الأمر الذي فسّرته أكثر من جهة على أنه تصريح مُباشر للسير بعملية التأليف،

وهذا ما أظهره اختلاف المواقف بينه وبين حليفه الماروني النائب جبران باسيل.

على الرغم من إعلان ميقاتي دعم دول الخارج له وترشيحه لمهمّة التكليف قبل تسميته رسميّاً،

تبقى الأنظار مصوّبة نحو “بعبدا” التي منها سيخرج الدخان إمّا بلونه الأسود أو الأبيض

خصوصاً وأن ميقاتي بالنسبة إلى “صهر” بعبدا،

لا يختلف كثيراً عن الرئيس المُعتذر سعد الحريري، فالإثنين بالنسبة له بمثابة وجهين لعملة واحدة تحديداً

في ما يتعلّق بمعركة استعادته “حقوق المسيحيّين”. من هنا فإن التخوّف الأبرز من إعاقة عملية التأليف،

يتعلّق بشروط جبران باسيل التي سبق أن عرقلت مهمّة الحريري،

وأدّت الى اعتذاره بعد تسعة أشهر من الأخذ والرد على قاعدة، هذا ينفع وهذا يضرّ.

مصادر مُقرّبة من “حزب الله”، تُصرّ على أن “موقف “الحزب” خلال الإستشارات المُلزمة وتسميّته ميقاتي،

يؤكد للقاصي والداني بأن التوجّه قبل ميقاتي وقبل الحريري هو تشكيل حكومة بأسرع وقت،

تعمل على إخراج لبنان من أزماته. وأكثر من ذلك، فإن الحزب، كان قبل 17 تشرين،

يُصرّ على عدم إستقالة حكومة الحريري ما لم يتوفّر البديل.”

أمّا بالنسبة إلى “التيّار الوطني الحر”، فمن الواضح أنه في عملية بحث مُستمرّة عن شخصيّة سُنيّة تكون قادرة على التكيّف

مع مطالب رئيس الجمهورية وتوصل في نهاية المطاف،

إلى نُقطة يُمكن لباسيل أن ينطلق منها لتحسين وضعيته خلال الإنتخابات النيابية والرئاسية بعدها.

كما يُراهن باسيل على شخصية سُنيّة يُمكنها إنقاذ ما تبقّى من عمر الرئاسة الأولى، علّه يُفلح في تجيير الإنقاذ في معاركه السياسية المُقبلة،

والمتوقّع أن تدور رحاها بين تياره وحزب “القوّات اللبنانية” الذي يُعدّ العدّة بدوره،

للوصول إلى موقع مُتقدّم على الساحة المسيحية، يُمكنه من خلاله التفاوض من موقع قوّة، على هويّة رئيس الجمهورية المُقبل.

في جميع الأحوال، فإن اللبنانيين قد خبروا على مدى عشرات السنين،

بأن التكليف لا يعني بالضرورة التأليف، ذلك على الرغم من موجة التفاؤل التي تسود البلد في الوقت الراهن،

والتي تقول بأن التأليف سوف يحصل قبل موعد الرابع من آب تاريخ الذكرى الأولى لانفجار المرفأ وإلاّ فالعقوبات

الفرنسية تنتظر “التوليفة” السياسية على المفرق،

لتُصبح أمراً واقعاً هذه المرّة، وليس مُجرّد تهديدات أو حبراً على ورق.”

أمّا مُلخّص الوضع القائم حاليّاً بالنسبة إلى “القوات اللبنانية”،

فهناك عجز كامل لدى السلطة الحالية عن القيام بأي مشروع إنقاذي يُمكن ان تطرحه أي حكومة،

لأسباب يُعيدها أمين سر تكتل “الجمهورية القوية” النائب السابق فادي كرم،

إلى “العجز الكامل الذي أبدته الحكومة السابقة حيث لم تتمكّن من تنفيذ ولو مشروع إصلاحي واحد.

لذلك فإن أي محاولة جديدة مع السلطة الموجودة، ستبوء بالفشل ولن ينتج عنها أي إيجابية.”

ويُضيف كرم: من يُراهن على أن الرئيس ميشال عون و”حزب الله” قد “رفعوا العشرة” أمام الأزمات الحاصلة وأنهم يسعون

بجديّة لإنقاذ ما تبقّى من فترة حكمهم سواء من خلال وزارة الطاقة أو الوضع الإقتصادي والدخول في أجواء الإنتخابات المُقبلة،

هو رهان خاطئ وليس في مكانه لأنهم سيخسرون السلطة التي تنبع دائماً من “زبائنايتهم” ووضع يدهم على الملفات

وعدم التعامل معها من مُنطلق إصلاحي بل إنتخابي وانتهازي.”

Exit mobile version