المصدر: ليبانون فايلز
كتب بهاء الحريري في المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI)، في وقت سابق من هذا الشهر، سافر دبلوماسيون فرنسيون وأمريكيون إلى الرياض لإقناع المملكة العربية السعودية بلعب دور أكثر استباقية في مساعدة لبنان. ولكن من الواضح أنّ رسالتهم وصلت إلى آذان صماء، ليس لأن السعوديين لا يرغبون برؤية لبنان مستقراً ، بل لأنهم يفهمون ما لا يفعله الغرب: لبنان بلد ضائع، ولا يمكن الوثوق بسياسيّه في الإشراف على أي شكل من أشكال المساعدات المالية أو غير المالية ، دون استفادة جيوبهم الخاصة أو توجيهها إلى حزب الله. وإلى أن يدرك الغرب هذا الواقع ، لا أمل في مستقبل أفضل للبنان.
يصادف 4 آب، الذكرى السنوية الأولى لانفجار ميناء بيروت، وهو نتاج عقود من الفساد المنهجي وسوء الإدارة الذي كان المسؤولون فيها على علم بوجود نترات الأمونيوم ولكنهم ظلوا مكتوفي الأيدي. فأسفر فسادهم عن مقتل 200 رجل وامرأة وطفل. ومع ذلك ، وبعد مرور عام واحد ، لم يتم تعلم الدروس بعد.
لا يزال لبنان بدون حكومة، وتحكمه حالياً إدارة تصريف أعمال تفتقر إلى المصداقية، لدرجة أنّ السياسيين الذين لا يخدمون إلا أنفسهم، يتشاجرون بالفعل حول التركيبة الطائفية للحكومة القادمة.
لم تتفاقم الآثار الاقتصادية الشديدة لوباء الفيروس التاجي إلا بسبب هذا الجهل: فقد فقدت العملة اللبنانية ما يقرب من 95٪ من قيمتها ، وتم القضاء على معظم المدخرات ، وتسبب نقص الوقود بالفوضى في الشوارع.
إنّ الوضع الآن مريع للغاية لدرجة أنّ البنك الدولي صرح مؤخراً أنّه من المرجح أن يحتلّ لبنان مرتبة ضمن المراتب الثلاث الأولى، كأشدّ الأزمات حدّة على مستوى العالم. وتشير التقديرات إلى أنّ الناتج المحلي الإجمالي اللبناني تقلص بنسبة 20.3 ٪ في عام 2020 ، بالإضافة إلى انكماش بنسبة 6.7 ٪ في عام 2019.
سوا للبنان”، هي حركة جديدة عابرة للطوائف، تقوم بحملة من أجل إصلاح هادف في لبنان ، وأنا أؤيدها. تقترح سوا للبنان، التخلص من النظام الطائفي بأكمله واستبداله بـ “مجلس للنواب” على غرار برلمان المملكة المتحدة أو الكونغرس الأمريكي. وهذا ما يجعله غير طائفي وينتخبه الشعب لخدمة الشعب.
فقد الشعب اللبناني الثقة في السياسيين، وفقد الثقة في قدرته على إحداث التغيير. إنّ وضع الشعب في قلب ديمقراطية حقيقية سيسمح بالمساءلة الحقيقية وهو الطريقة الوحيدة التي يمكن بها للبنان إعادة بناء الثقة في السياسيين. علاوة على ذلك ، فبدون خضوع السياسيين للمساءلة وبدون إزالة المصلحة الذاتية الطائفية للطبقة السياسية الحالية، سيكون من المستحيل وضع حدّ للفساد الذي يصيب كل جانب من جوانب الحياة اللبنانية. يجب القضاء على الفساد والمحسوبية حتى يتعافى لبنان من عقود من سوء الإدارة.
تعتقد “سوا للبنان” أنّ إشراك الشعب اللبناني ومنح الهيئات التنظيمية والرقابية الاستقلالية التي يحتاجونها للعمل بنجاح، سيمكّن المجتمع المدني من محاسبة المسؤولين. إنّ اللامركزية في السلطة هي مفتاح هذه العملية. إنّ هذه المقترحات ليست الطريقة الوحيدة لتحويل لبنان، ولكن “سوا للبنان” هي المجموعة الوحيدة التي تحاول بكل نشاط الدعوة إلى حلول مجدية لمشاكل لبنان.
دور المجتمع الدولي
يتعيّن على المجتمع الدولي أن يذهب إلى أبعد مما فعل حتى الآن. فإنه يحتاج إلى التوقف تماماً عن التعامل مع الطبقة السياسية الفاسدة. إنّ المبادرة الفرنسية التي أعقبت انفجار ميناء بيروت، وضعت مسؤولية الإصلاح المجدي على عاتق الأشخاص الذين لم يسببوا هذه الأزمة فحسب، بل كانوا سيخسروا أكثر من غيرهم بسبب حملة القمع ضد الفساد، مما أدّى إلى إهدار فرصة حقيقية لتحسين لبنان.
التقى رئيس الأمن اللبناني عباس إبراهيم مؤخراً بدبلوماسيين ومسؤولين استخباريين في لندن. ولم يقتصر الأمر على تورطه في الانفجار المأساوي الذي وقع في ميناء بيروت، بل كان له أيضاً صلات مباشرة بحزب الله، وهو منظمة إرهابية محظورة في المملكة المتحدة. فبدلاً من إضفاء الشرعية على الأفراد الذين لا يضعون مصالح لبنان الفضلى في صميم مصالحهم، ولن يضعوا ذلك أبداً ، يجب على المملكة المتحدة أن تتخذ إجراءات حازمة وحاسمة ضدهم.
ولو اتّحد المجتمع الدولي منذ البداية ، لكان من الممكن أن يجبر المؤسسة اللبنانية على العمل ، وذلك عن طريق ربط أي معونة بتغييرات محددة وقابلة للقياس وذات مغزى. وهذا ما كان ليكون علاجاً شافياً فورياً ولكنّ اتخاذ إجراءات أكثر حسماً كان من شأنه أن يمهد الطريق لخريطة طريق إلى الأمام للبنان، مدعومة بإحراز تقدّم تدريجي على مدى عدة سنوات.
في حين أنّ الوضع في لبنان يمثل أزمة إنسانية عاجلة، فإنّ استمرار زعزعة الاستقرار يشكل تهديداً أمنياً كبيراً يجب حسابه في السنوات المقبلة. إنّ المملكة المتحدة لديها فرصة، بالتعاون مع ألمانيا وهولندا ودول أخرى، لضمان أنّ الاتحاد الأوروبي ككل يحظر أخيراً، كلّ حزب الله، وليس فقط جناحه العسكري. يجب أن يقوموا بمناصرة ذلك كهدف قابل للتحقيق.
كما يتعين على المجتمع الدولي أن يفرض عقوبات اقتصادية صارمة على المسؤولين اللبنانيين الفاسدين والتي تحلّ محلّ العقوبات الخفيفة المعمول بها حالياً، مثل حظر السفر الذي فرضته فرنسا. وينبغي للسياسات أن تستهدف مباشرة المسؤولين عن المأزق السياسي الحالي. وتشمل السياسات المحتملة تجميد الأصول على الشخصيات الرئيسية، وحظر السفر إلى العواصم الأوروبية، ومنع أطفالهم من الالتحاق بالجامعات العريقة وإجبارهم على دفع ثمن الدمار الذي لحق ببيروت.
يحتاج الغرب إلى التصرف بشكل حاسم وبسرعة. لن يكون للبلاد فرصة للازدهار إلا من خلال القسوة على قادة لبنان.