المصدر: لبنان الكبير
أقبل صيف لبنان هذا العام مثقلاً بالأزمات السياسية المتلاحقة والصعوبات المالية والتحديات المعيشية الجمّة، فتوجهت عيون اللبنانيين إلى ذويهم وأقاربهم المغتربين في كافة أصقاع العالم كخشبة خلاص للتخفيف من وطأة المعاناة والهموم عليهم.
مغتربو لبنان هذا العام انقسموا إلى فئات ثلاث، منهم من حمل في جيبه الفريش دولار ومنهم من حمل في حقائبه الأدوية والحليب والمستلزمات الغذائية، ومنهم من حمل الإثنين معاً، وهم في جميع الحالات يشكلون لذويهم الحصان الرابح في ظل كل الخسارات التي لحقت بهم، وصمام أمان لهم يعلقون عليهم الآمال من أجل الصمود في هذه الفترة العصيبة التي يمرون بها. وبالرغم من الحالة المزرية والأوضاع المتردية وانعدام الخدمات وعدم توفر الحد الأدنى منها، واستفحال أزمة البنزين التي تعيق حركة التنقل وانقطاع الكهرباء، يُصرّ المغتربون على القدوم ومساندة عائلاتهم مادياً ومعنوياً لإنقاذهم من براثن الانهيار الكبير، فـ 100 دولار من الخارج التي تفوق قيمتها اليوم ضعفي الحد الأدنى للأجور كافية لرب الأسرة من أجل تأمين الحد الأدنى من مقومات العيش لأولاده.
إلا أنه ومع ازدياد وتيرة توافد المغتربين، عادت الأنظار مجدداً إلى مطار رفيق الحريري الدولي من باب السلالات الفرعية لفيروس كورونا. فلبنان الذي تنفس الصعداء قليلاً بعد أن شهد تراجعاً ملحوظاً في أعداد إصابات كورونا في الفترة الأخيرة، سيخضع مجدداً لإجراءات جديدة للحدّ من السلالة الهندية من الفيروس دلتا والتي تنتشر بسرعة أكبر بكثير من النسخة الأصلية، تتعلق بالمسافرين القادمين إلى لبنان من المملكة المتحدة، الإمارات العربية المتحدة، البرازيل، الهند، مالاوي، إثيوبيا، زامبيا، ليبيريا، كينيا، غامبيا وسيرالون. وبحسب المديرية العامة للطيران المدني، ستركز الإجراءات على التثبت من سلبية فحص كورونا في بلد الانطلاق وفي مطار رفيق الحريري، فضلاً عن إعادة قيود الحجر لثلاث ليال في الفندق.
اليوم، يفوق عدد المغتربين الـ 1.3 مليون مغترب، وهم فقط من يُعول عليهم لبنان كمصدر وحيد للحصول على الفريش دولار، مع انسداد أفق الحلول الاقتصادية ودخوله مجدداً في مرحلة الفراغ الحكومي وانقطاع السياح العرب والأجانب عن زيارة لبنان بسبب السياسات المدمرة للعلاقات الخليجية والدولية التي حرمت لبنان والقطاع السياحي ركيزة أساسية من ركائز استمراريته ومصدر رئيسي لدخول العملة الصعبة إليه. ويرى فيهم استثماراً مربحاً لتحريك العجلة الاقتصادية وإنعاش اقتصاد هش فقد كل مقومات الحياة، إذ تشير الأرقام إلى أن قيمة التحويلات الرسمية فقط بلغت حوالي 7 مليارات دولار في العام 2020، ومن المتوقع أن تتضاعف هذا العام مع اشتداد الخناق المالي واستمرار انهيار الليرة مقابل الدولار.
اليوم، يقف لبنان حائراً بين الأزمة الصحية التي تفتعلها كورونا وسلالاتها المتحورة وبين المغتربين ودولاراتهم، فهو غير قادر على اتخاذ قرار بإغلاق المطار مرّة جديدة ومنع المغتربين من القدوم لأن هكذا قرار سيغلق الباب أمام تدفق العملة الصعبة إلى لبنان. صحيح أن الفريش دولار مقابل الدلتا مجازفة خطيرة ومعادلة معقدة، إلا أنها تبقى الخيار الأوحد لعدم سقوط المدماك الأخير لبنية الاقتصاد اللبناني، وما بين خيار السيولة النقدية الأجنبية وخيار إغلاق المطار للحد من دلتا، سترجح كفة الميزان إلى الفريش دولار حتماً.