المصدر: لبنان 24
إنها الساعة التاسعة مساءً… خبرٌ عاجلٌ وصل إلى أهالي إحدى المناطق ملخصه أن محطة وقود في المنطقة سوف تفتح أبوابها لتعبئة البنزين ولكن فقط لأهالي المنطقة، وكأن البنزين ينقطع حين يصطف أحد المواطنين القادمين من منطقة أخرى حتى لو كان بحاجة ماسة لمادة البنزين.
تسرب الخبر إلى خارج المنطقة المعنية. أحد المواطنين الذي كان بحاجة ماسة للبنزين ترجل إلى سيارته وذهب نحو المحطة مصطفًّا في طابور، وما إن وصل هذا ما لاحظه: شرطي بلدية يراقب الوضع، يسير ببطء إلى جانب كل سيارة وكأنه يدقق إذا كان هناك “إرهابي” ما من خارج المنطقة يريد تعبئة البنزين، ومن يشكك به يسأله: هل أنت من هنا؟ وحسب إجابة المعني فإذا كان من المنطقة يأخذ “كارت بلانش ” وإذا لم يكن يحكم عليه بـ”قطع بنزينه” بتهمة أنه كان بحاجة لهذه المادة وتشجع بالقدوم لغير منطقته، وكأن البنزين بات حكرًا على فئة معيّنة من الناس وخاضعا للاعتبارات المناطقية.
هذه الرواية يمكن أن نجد مثيلًا لها في كل منطقة لبنانية وهي شكل من أشكال المحسوبية التي يعتمد عليها أصحاب المحطات أو المسؤولين عنها، مع ما يرافقها أحيانًا من تلاعب للاستفادة من المزيد من الأموال.
يروي “س. غ” قصته مع محطات الوقود فيقول: “اعتدت أن أزود سيارتي بالبنزين من محطة وقود أعرفها لكن الأزمة التي نمر بها تجبرنا على الوقوف في الطوابير ولكي أتجنب هذا الأمر أصبحت أتجه بسيارتي فورًا إلى المغسل وبعدها لتعبئة البنزين من دون أن يجبرني العاملون على الوقوف في الطابور بالأخص حين يستحصلون على “الحلوينة” أي ما يعرف بالبخشيش”.
إذًا الحلوينة هي شكلٌ آخر من الأشكال التي تجعل شخصًا ما محسوبًا على المحطة، ولكن هناك نوعًا آخر من “الحلوينة” ويبعد كل البعد عن البخشيش.
تقول الفتاة” ه. ر” والتي يكمن بيت أهلها بالقرب من محطة وقود:” عادة كنت أقوم بتزويد سيارتي بالوقود من المحطة التي تقع بالقرب من المنزل وحين بدأت أزمة الوقود أخذ العاملون يتوصون بي إلى أن تطور الموضوع وأخذ أحدهم رقم هاتفي”.
وتضيف: “أصبح العامل الذي أخذ رقم هاتفي يريد أن يوصل لي البنزين بغالونات إلى منزلي وهذا ما أخذته بحسن نية إلى أن شعرت لاحقًا أنه يهدف إلى التقرب مني من خلال الرسائل التي كان يرسلها لي ما دفعني لمنعه من القدوم للمنزل قائلة له إن والدي هو من سيذهب للمحطة”.
تلاعب واستغلال
ويترافق مع المحسوبية استغلال للأزمة يقوم به أصحاب المحطات بهدف كسب أكبر قدر من المال. ومن أحد أشكال الاستغلال بيع البنزين على قاعدة “مين بزيد”.
ينتظر أحد العاملين في المحطات أن تصل أزمة البنزين إلى أوجها فتقفل المحطات أبوابها ليصبح المواطن الذي يحتاج هذه المادة “يبرم السند والهند” لكي يستحصل على كمية قليلة من البنزين قد تكفي أو لا تكفي حاجته.
ويعمد هذا العامل الى تعبئة البنزين في غالونات ليبيعها لمن يعطيه السعر الأعلى، وهذا ما حصل مع “خ. م” الذي كان بحاجة قصوى إلى غالون بنزين يزود به سيارته ليجده أخيرًا ولكن بسعر مرتفع مع إبلاغه أنه في حال حصل “صاحب” الغالون على سعر أعلى فلن يعطيه له.
أحد أشكال الاستغلال الأخرى يبرز من خلال ما حصل مع المواطن “أ. ن. د” قبل أيام حين توجه إلى إحدى المحطات لتعبئة البنزين وفور وصوله كان هناك عدد قليل من السيارات يتم تعبئتها ليتم إبلاغه أنه لن يمكنه تزويد سيارته لأن “البنزين قد نفد”، إلا أنه وبعد ترجله من السيارة وإبلاغه صاحب المحطة أن من زبائنه تمنى عليه الأخير أن ينتظر قرب أحد المحلات إلى حين أن يهدأ الوضع ليتم بعد ذلك تعبئة خزان سيارته على قاعدة “لا مين شاف ولا مين دري”.
كثيرون من أصحاب المحطات يعمدون إلى تعبئة قدر معين من البنزين ليتحججوا بعد ذلك بنفاد الكمية لعلهم يستفيدون من المزيد من النقود في حال ارتفاع سعر صفيحة البنزين أكثر.
أحد أصحاب المحطات سابقًا يشير في هذا الإطار إلى أنه “لا يوجد أي محطة تنفد كمية الوقود لديها بشكل كامل”، لافتًا إلى أن بعض أصحاب المعطات يعمدون إلى تعبئة البنزين في بئر سري يكون بعيدًا عن عيون “أمن الدولة” التي تسيّر دورياتها لمراقبة المحطات التي تحتكر البنزين.
ولكن إن كانت “أمن الدولة” تراقب موضوع الاحتكار، من بإمكانه أن يراقب المحسوبية وأنواع الاستغلال الأخرى؟