منير الربيع – المدن
يحمل المسار الدولي المتعلق بلبنان بعداً كبيراً من التناقضات. يؤشر ذلك إلى انعدام الرؤية الواضحة للتعاطي مع الملف اللبناني. قبل أيام من موعد المؤتمر الدولي، الذي دعت إليه باريس في الرابع من آب لمساعدة لبنان، أقرت دول الاتحاد الأوروبي اتفاق إطار قانوني لفرض عقوبات على المسؤولين اللبنانيين. لم تنجح دول الاتحاد بفرض عقوبات بسبب اعتراض دول عديدة، بينها إيطاليا والمجر. حتى أن دولاً أخرى كنت معترضة كإسبانيا وبلجيكا، ولكن التدخل الفرنسي نجح بإقناعها بالسير بالعقوبات، إلا أن الموقفين الإيطالي والمجري لم يتغيرا، فتم الحفاظ على ماء الوجه بما سمي اتفاق الإطار. وهذا يسمح للدول بفرض عقوبات على مسؤولين لبنانيين كل دولة على حدة، أي لا تكون العقوبات شاملة باسم الاتحاد.
مؤتمر الدعم
تلك العقوبات التي ستفرض، وقد تبقى في إطار السرية، غايتها سياسية. وهي تصفية الحساب مع الطبقة السياسية التي عرقلت المبادرة الفرنسية. ولكن في الوقت نفسه تضغط باريس على أركان الطبقة السياسية ذاتها في سبيل الوصول إلى تفاهم وتشكيل الحكومة. يومياً هناك اتصالات فرنسية بالمسؤولين اللبنانيين، للوصول إلى توافق حول تشكيل الحكومة. فيما تقول المعلومات إن النقاش الجدي في عملية التشكيل سيبدأ بعد مؤتمر 4 آب، ومراقبة الدول التي ستشارك، ومواقفها، وماهية الدعم الذي ستقدمه. وهنا لا بد من النظر إلى موقفي الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، التي يحاول وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إقناع وزير خارجيتها فيصل بن فرحان بالمشاركة بالمؤتمر ولو معنوياً. وفي الوقت الذي تعمل فيه باريس على فرض عقوبات على مسؤولين لبنانيين، وتتفاوض معهم في سبيل تشكيل الحكومة، يبرز سؤال أساسي حول كيفية تقديم هذه المساعدات، ومن هي الجهات التي ستعمل على توزيعها أو استلامها.
اليونيفيل والجيش
في هذا الوقت، سارعت الولايات المتحدة إلى الترحيب بإطار العقوبات الأوروبية، وهي إشارة أميركية إلى أنها تسعى إلى استقطاب فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية إلى الصف الأميركي، بدلاً من حصول العكس، وسط رهانات كثيرة بأن أميركا اقتنعت بوجهة النظر الفرنسية، وأوكلت الملف اللبناني لباريس. وهذا لا يبدو صحيحاً ولا دقيقاً حتى الآن. كل المواقف الدولية والأزمات التي تعصف بلبنان، تشير إلى أن المشكلة أصبحت أبعد بكثير من عملية تشكيل الحكومة. لا سيما على وقع المناقشات المفتوحة في مجلس الأمن الدولي حول وضع اليونيفيل في لبنان والتجديد لها بشرط توسيع صلاحياتها، أو تعزيز قدراتها التقنية واللوجستية. بالإضافة إلى الحديث عن توثيق التعاون بين اليونيفيل والجيش اللبناني ووضع برنامج لتقديم مساعدات من قوات الطوارئ الدولية للجيش.
بين حزب الله وإسرائيل
كل هذا يحصل، في وقت يرتفع فيه منسوب التوتر بين حزب الله وإسرائيل. إذ تشير مصادر متابعة إلى أن حزب الله أوصل رسالة تهديد عبر روسيا لإسرائيل، بأنه سيقوم بعملية رد كبيرة، بحال تعرضت أي حافلة إيرانية تعمل على نقل النفط الإيراني إلى لبنان أو سوريا. في المقابل، رد الإسرائيليون برسالة تهديد أخرى، وعبر فرنسا هذه المرة، بأن القوات الإسرائيلية ستعمل على استهداف أي ناقلة نفط إيرانية تتجه إلى سوريا أو لبنان. تؤشر هذه التهديدات إلى التوتر، وليس بالضرورة أن تؤدي إلى تصعيد أو اشتباك. مع ذلك، سيكون لها أثرها ومفعولها السياسي.
كل ذلك يأتي على وقع نقاش حول الملف اللبناني في جلسة للشؤون الخارجية بالكونغرس الأميركي.
تلك الجلسة انطوت على أهمية لجهة مقاربة الملف اللبناني.
إذ أنه ليس النقاش الذي جرى خلاله تحميل حزب الله مسؤولية ما جرى. وتم السؤال عن الجيش اللبناني ودعمه المستمر،
فكان الجواب بأن الدعم مستمر. وهنا سئل عن العلاقة بين الجيش وحزب الله،
وإذا كان الجيش قادراً على مواجهة الحزب، فكان الجواب سريعاً بالنفي، وأن هناك تنسيقاً بين الجيش والحزب.
وهنا تعالت أصوات تقول: “لماذا إذاً يتم دعم الجيش وتقديم المساعدات له في بلد ينهار وكل التوقعات حوله سلبية جداً؟”.
في مداخلة لأحد أعضاء لجنة الشؤون الخارجية ولدى سؤاله عن رؤيته للوضع في لبنان يقول:
“المشكلة لا تتعلق بتشكيل حكومة، بل بالمسار العام، وهذا لا يبدو إيجابياً. الانهيار سيستمر،
أما حصول الإنتخابات فلن تؤدي إلى تغيير. وبالتالي، فإن لبنان سيستمر في مواجهة المزيد من المشاكل”.