بقلم فادي عيد – lebanon debate
بعد نقاش دام أسابيع تبنّت دول الإتحاد الأوروبي مجتمعة، إطاراً قانونياً لنظام عقوبات، يستهدف أفراداً وكيانات، تتّهمها الدول الأوروبية، بالمسؤولية المباشرة عن تقويض الديمقراطية وسيادة القانون، من خلال تعطيل تأليف حكومة جديدة في لبنان، والتقاعس عن إجراء إصلاحات مالية واقتصادية ومكافحة الفساد ووقف هدر المال العام.
وبرأي وزير خارجية سابق، فإن هذه الخطوة هي بمثابة مقدّمة للضغط الجدّي على الطبقة السياسية اللبنانية، كما أنها لا تتعلّق فقط بالمحاولات الجارية لتشكيل حكومة من قبل الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي، بل تتجاوزها إلى مجموعة خطوات مرتبطة بمعالجة الأزمات وفي مقدّمها الأزمة المالية.
لكن الوزير السابق نفسه، يقلّل من فاعلية وتأثير الإجراءات الأوروبية لسببين، الأول أن الضغط الخارجي، وليس فقط الأوروبي والعقوبات، لم ينجح في السابق في دفع المعنيين بالتشكيل إلى تأليف حكومة خلال العام الماضي، والثاني أن الوصول إلى تطبيق وتحديد الآليات التنفيذية لعقوبات الإتحاد الأوروبي، لن يتمّ قبل منتصف أيلول المقبل، وبالتالي، تكون الساحة اللبنانية عندها قد انتقلت من الإنهيار إلى إدارة الأزمة في حال أبصرت حكومة الرئيس ميقاتي النور، أو، وفي حال اعتذر الرئيس المكلّف، يكون الإرتطام والسقوط في هاوية لا قعر لها.
ومن ضمن هذا السياق، فإن العقبات التي برزت بعد أيام معدودة على تكليف الرئيس ميقاتي،
هي مئة بالمئة داخلية وتتّصل بالحسابات السياسية والإنتخابية المقبلة، لذا يبدو تأثير أية إجراءات أو ضغط خارجي باتجاه تذليلها معدوماً،
على الأقل خلال الشهر الجاري، إذ أن الوزير السابق، يتوقّع أن يستمر الدور الخارجي في الأزمة الحكومية الراهنة
محصوراً في مجال الوساطة الديبلوماسية، وسيعجز عن إدخال أية تعديلات على الشروط الموضوعة
على طاولة التفاوض الجارية والتي تساهم فيها كل القوى السياسية المكوّنة للغالبية النيابية اليوم
وعلى العكس من ذلك، فإن النتائج أتت مغايرة لكل التوقّعات،
بحيث لم تنجح المحاولات التي بذلها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أو التلويح بالعقوبات على لسان وزير خارجيته جان إيف لودريان،
في دفع المعنيين إلى البحث عن توافق تحت ضغط الأزمة الداخلية،
وتأليف حكومة إختصاصيين قادرة على لجم الإنهيار الإقتصادي.
وعليه، يشير الوزير السابق، إلى أن الطبقة السياسية هي أمام فرصة قد تكون الأخيرة من أجل تفادي الإجراءات
التي تتضمّن حظر السفر وحجز الأصول المالية، وصولاً إلى فتح تحقيقات بمصدر الثروات وملاحقات قضائية،
لكل من سوف تشمله هذه العقوبات الأوروبية.
لذا، فإن العودة إلى مسار التعطيل والسير بعملية عرقلة كل الإستحقاقات،
وبما فيها تأليف الحكومة وإجراء الإنتخابات النيابية وإصلاح القطاع العام،
والبدء بمعالجة أزمة الليرة وإطلاق برنامج تفاوض مع صندوق النقد الدولي،
ستضع الإتحاد الأوروبي، أمام خيار السير بقرار العقوبات حتى النهاية، وتوسيع لائحة المُستهدفين والذين تنطبق عليهم
صفة مخالفة القوانين وتقويض الديمقراطية وتعطيل الإصلاح الذي يطالب به اللبنانيون
الذين نزلوا إلى الشارع في 17 تشرين الأول مطالبين بحقوقهم المشروعة،
لكنهم يعودون اليوم مجدّداً إلى الشارع للمطالبة بالحدّ الأدنى من مقوّمات العيش الكريم.