“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
ثمة مثال متداوَل مفاده: “عدوك شريك كارك”، وبما أن تيّار “المستقبل” يفتقد إلى الشركاء ولم يترك شريكاً له إلا و “هشّله”، ولعل آخرهم “حزب الله”، فهل يمكن إسقاط هذا المعيار وتلك الصفة على الوزير السابق نُهاد المشنوق؟
نظرياً نعم. المشنوق خرج عملياً من عباءة تيّار “المستقبل” وأُخرج من حسابات “تيار العائلة” منذ انتخابات عام 2018، لشعور نما لدى بيت الوسط مفاده أن الرجل يمثّل تهديداً لمستقبل الرئيس سعد الحريري، أي أنه أضحى “شريك كار”، على الرغم من أن المشنوق “جفّ حلقه” وهو يقول “يا أخي دعك منها”. رغم ذلك، لا زال مطارَداً ومصحوباً باتهام تسويق ذاته لعبور سراي كُتب على بابها: لو دامت لغيرك..”
على أي حال، هذا كلام قد مرّ عليه الزمن وإن لم يقتنع بيت الوسط بل ويرفض أن يقتنع بعد، إنما غدا أسير ذلك الكلام تماماً كما يغدو الحريري أسير المحيطين به، وأسير الخشية من التفريط بالزعامة السنّية وأسير كرسي يرى نفسه مرشحاً طبيعياً عليه، ولو كلّفه ذلك العبور على جثث زملائه في السياسة وهو ما يقوده إلى مقاتلة طواحين الهواء أحياناً. الملفت للنظر، أن بيت الوسط ورجالاته الذين يشنّون الحرب على المشنوق اليوم، ويرشقون حجارتهم يمنة ويسرة، يعودون إلى فهرس مفرداته دائماً، إلى حدٍ جعل من أحد الأقطاب يصف وزير الداخلية السابق بـ”المستشار السرّي للرئيس سعد الحريري”.
في غمرة الحديث حول رفع الحصانات وبفارق أيام قليلة عن مؤتمر المشنوق الصحفي في مجلس النواب، شاء تيار “المستقبل” أن يستنسخ مضمون كلام النائب الخارج عن طيف الأزرق وينسبه إلى زعيمه. لقد طرح الحريري الأسئلة ذاتها التي طرحها المشنوق، إنما تمادى محاولاً جعلها كنص مرجعي يُناسب تقديمه كمشروع إلى مجلس النواب، ثم أوعز بالدوران فيه على الكتل. هنا، فلندع الموانع الدستورية جانباً، رغم أن “أصل العلّة” تبدو جلية في تيّار لم يدقّق في محتواه الدستوري قبل أن يغرسه في الإعلام، ولم نمضِ نحو التدقيق في داء يُعاني منه تيار “المستقبل” منذ مدة طويلة: غياب الإبتكار واضمحلال الإنتاج والجهل في القانون واعتماد منهجية القصّ واللصق.
تضمّن المؤتمر الصحفي الذي دعا إليه المشنوق نهار الجمعة الماضي في مجلس النواب، “الأسباب الموجبة” التي لحظها نص خطاب رئيس تيار “المستقبل” بعد نحو 5 أيام على الحادثة الأولى. خلالها، أوردَ المشنوق عدة تساؤلات من بينها السبب حول “وجود “محكمة خاصة للقضاة يحوّل إليها القضاة المتّهمون” ليكرّر الحريري نفس النقطة خلال مؤتمره الصحفي، سارداً أن “القضاة لا يمكن محاكمتهم أمام المحقّق العدلي، ولا أمام المجلس العدلي، ويجب تحويلهم الى محكمة خاصة”.
وفي المقام الثاني، فنّد المشنوق القانون وأبدى عدم اعتراضه على رفع الحصانة، طالباً تعديل الدستور،
على أن يلحظ التعديل البدء برأس الهرم إلى آخر موظف في الدولة، ولا يُخصّص أشخاصاً بالحصانة دون غيرهم،
ليأتي لاحقاً الحريري ويُدخل تعديلاً على النص، طارحاً تعليق كل المواد الدستورية والقانونية التي تمنح حصانة
أو أصول خاصة بالمحاكمات لرئيس الجمهورية ولرئيس الحكومة والوزراء والنواب والقضاة والموظفين..
الخ، أي التي تعني عملياً إحالة رئيس الجمهورية إلى التحقيق، وهو ما طلبه رئيس الجمهورية لنفسه لاحقاً.
الغريب حقاً، ليس أن يأخذ تيار “المستقبل” عن خصم “مشيطن” من قبله،
وأحياناً الإستعانة لا تضرّ، إنما رفض عادة قبول النصيحة وما يلبث أن يعود إليها.
تحديداً، هذه مشكلة عانى منها “حزب الله” مع الحريري خلال مدة قصيرة من تاريخ العلاقة معه،
ولعلّ الرئيس نبيه بري ورفيقه وليد جنبلاط قد عانيا منها أكثر. ويُنقل هنا،
أن الحريري كان دائم التقلّب حيال نصائح ترده من الجانبين إلى حدّ كاد أن يدفع “البَيك”
“الذي يرقص القرود على أصابعه” إلى الجنون. وعلى الأرجح سبق للمشنوق أن عانى من نفس العلّة،
ولو أن الرجل بالغ أحياناً في التضحية عند رصيف “بيت الوسط”. يُذكر في هذا المقام،
أن وزير الداخلية السابق قد حذّر الحريري على هامش الإستشارات النيابية قبل 9 أشهر من الآن للإلتفات
إلى احتمال أن يكون ما نعته بـ”التحالف الحاكم” قد أعدّ (للحريري) فخاً”.
جلس الحريري يستمع للمشنوق، وهو يقول “يا دولة الرئيس، هذا ليس تكليفاً يقصد به تشكيل حكومة”،
وسرد أمامه وجهات نظر حول تأثير الصراع الإقليمي المندلع، والذي يتشارك فيه كل من “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” على المشهد العام في البلاد،
وما أن غادرَ المشنوق حتى “طنّش الحريري” كل ما سمع، ظناً منه أن ذلك “هراء سياسي”،
قبل أن يتكشّف إبن عمته أحمد الحريري بعد 9 أشهر على الحادثة أن في الكلام “وجهة نظر”،
ليشهد قبل أيام على “سكاي نيوز – عربية” أن تيار “المستقبل” أخطأ بالتسوية وكل الحكومة التي تشكّلت كانت غلطة.
أحياناً، تكون العودة عن الخطأ فضيلة. في مجرى نهر تيار “المستقبل” الجارف لكل الأقوال والأمثال،
تصبح العودة عن الخطأ بارتكاب خطأ أكبر منه وبتجاهل “الناصح” وصاحب الجميلة!
والمشنوق، ما برح يردّد عبارات الخطأ في إبرام “التسوية” التي كانت جزء منها،
وكان ينعت حكومات ما بعد التسوية بأبشع الصفات. لسنا هنا في مقام التدقيق بحقيقة كل ما يقوله المشنوق،
في النهاية الرجل سياسي وصاحب موقف سياسي ويدرس ويقرأ الموضوع من قبله،
لكننا في مقام التدقيق في تصرفات تيّار “المستقبل” الذي ما برح يشتم غيره حين ينصح،
ثم يعود لاحقاً إلى ذات النصيحة بل ويعمل بها، من دون “جميلة”.