المصدر: ليبانون ديبايت
لم تطأ أقدام رئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي قصر بعبدا. طار الإجتماع الموعود وأخذ معه دولار سوق القطع الأسود، وإن اُخفيت الأسباب تبقى لدى الشواهد معلومة. وعند الركون إلى الفترات الماضية، يُصبح الدولار إشارةً بالغة حول وضعية “الإستقرار السياسي” ونافذةً لفهم عدم حصول تقدّم في مجالات التأليف، علاوةً على نبات تراجعات على التفاهمات، أُضيف إليها علامة سوء، تفاعلت مع سيئات ما ورد ويرد في الإعلام، وإلى فقر حال لقاءات التأليف وقذفها الدائم إلى مواعيد تُحدّد لاحقاً.
كان ينبغي بدايةً “تعلّم الدرس” من الجارة القريبة. رغم حرب عاصفة دامت 10 سنوات ولا زالت و “تكسير” في الإقتصاد وأزمتي كهرباء وبنزين وغلاء فاحش، تجد دمشق فرصة لإنتاج حكومة جديدة بشخصيات غلب عليها طابع “التكنوقراط” تدخل “غياهب” الحكومات للمرة الأولى. وعلى مسافة 3 أسابيع من تنصيب الرئيس السوري بشار الأسد لولاية رابعة، ومن دون مبادرة فرنسية أو غيرها، ومن دون تدخّل العقد أو زعماء قبائل، ومن خارج مفاهيم الأثلاث المعطّلة والضامنة وعقدة الوزراء المسيحيين وغيرهم، وبلا مشورة “طالع نازل”، أنجزت حكومة “ثلاثينية” بتكلفة صفر مساعدة!
كان ينبغي بدايةً على الرئيس المكلّف، عدم الإكثار في المراهنة على الدعم الخارجي وعدم “البذخ” في تعويم الاجواء الإيجابية، طالما أن العراقيل الداخلية أقوى، كما يحلو لاوساطه أن تُشيّع. ثمة من يُحمّل الرئيس المكلّف جزءاً من المسؤولية حيال ما حصل ويحصل، ليس في ما له علاقة بالمسائل التقنية “حصراً” التي تخصّ التأليف، والتي “يركب” عليها المشكل الراهن، إنما في استقوائه بدايةً بالدعم الخارجي وإذاعة بأنه تلقى “المدّ الملّون” لتأليف حكومة، ما أسّس إلى نموّ حالة كمثل محاولة فرض نفسه على قوى معينة، أخذت تتعامل معه لاحقاً على أنه مفروض، أو أنه استكمال لمشروع بدأ سلفاً مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري.
وفي الحديث عن السلبيات، لم يعد من مجال لإعفاء الدور السعودي من “دقّ الأسافين” ووضع العصي في دواليب الرئيس المكلّف، وتعدّ “فصاحة” السفير وليد البخاري المستجدّة ونقله رواية الصمت أفضل مثال وأبلغ رسالة. وهنا، من كان يعوّل على “مرونة” سعودية مردودة إلى “ليونة” خارجية، عليه إعادة حساباته، فـ”الصمت لا يعني القبول دائماً”، مقتضى التصريح السعودي
عملياً، ومع اقتراب “المهلة المبدئية” التي وضعها ميقاتي لنفسه أساساً، ضاق مجال المناورة في التأليف كثيراً. في مستهل ذلك، بدأت استيلاد العقد من هنا وهناك. زادت على عقدة الداخلية المعلنة وعقدتي التوزيع والتمثيل وعدد الوزراء من حصة الرئيس والوزيرين المسيحيين في تشكيلة الـ24، عقدان توزعتا على مرجعيتين مختلفتين ومتضامنتين:
ـ الأولى رفض القصر الجمهوري ـ وفق ما سُرّب – إسناد وزارة المالية إلى مدير العمليات
في مصرف لبنان يوسف الخليل الذي سمّاه رئيس مجلس النواب نبيه بري. تقول أوساط متابعة،
أن مثل هكذا موقف صادر كـ”فيتو” عن رئاسة الجمهورية، له القدرة على تطيير أي اتفاق حكومة محتمل
– العقدة الثانية وتتموضع في الجبل. رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط
وضع شرطاً للموافقة على الحكومة العتيدة بإيكال من يسمّيه لاحقاً حقيبة الشؤون الإجتماعية، التي عاد القصر ـ وفق التسريب –
للمطالبة بضمّها إلى حصته. أحياناً، يكاد المرء يسخر من “ركض”
البعض خلف حقائب تُعدّ في المنظور الحكومي في قعر السلة!
جانبٌ آخر لا تتم الإضاءة عليه كثيراً، وهو تلازم الصراع حول المداورة كمثل الخلاف
حول اعتماد المداورة من عدمها أو الركون إلى خيار “نصف مداورة” تطال مجموعة حقائب “باهتة” لزوم الإسترضاء، وخروج النزاع حول
برنامج الحكومة الإصلاحي الإقتصادي وموقفها من التدقيق الجنائي ورؤيتها لمسألة
تحرير سعر الصرف وما شاكل، وهي بجميعها عوامل تستبطن مواضع اشتباك ظاهرة ومستترة ولا تكفي أو يؤمل منها إنجاز حكومة.
على إثر كل ما تقدّم، بات إنجاز اتفاق على تشكيلة حكومية خلال الفترة القليلة الفاصلة
عن مهلة الـ 20 آب التي يضعها الرئيس المكلّف نصب عينيه كخط نهاية أو الدخول في نهاية زمن تكليفه صعباً إن لم يكن مستحيلاً،
عطفاً على مجموعة العقد الناشئة وتلك التي ستنشأ. أوساط الرئيس المكلّف لا تُنكر وجود صعاب،
لكنها ما زالت تراهن على الفترة المعقولة الباقية واحتمال دخول “عامل خارجي” يعيد ترتيب الأوراق.
يُفهم من ذلك أن ميقاتي ما زال يُراهن على الدور الخارجي وما تعلّم من الفترة الماضية!
ربّ قائلٍ هنا أن تأخير تأليف الحكومة إلى ما بعد 4 آب يحمل على الظنّ الأكيد أن تأليفها بعد
ذلك سيكون صعباً! كان يجدر عدم تفويت “فرصة الحيوية” التي تولّدت في مستهل تكليف ميقاتي لإنجاز حكومة سريعة، بدلاً عن ذلك،
ركن الأقطاب إلى سياسة التمييع والإكثار من الإجتماعات بدايةً، ثم الإنقلاب على ذلك باعتماد سياسة “التباعد”
وخلق المسافات بين الإجتماعات، وعلى ما يبدو كان ثمرة تأسيس لخلق مسافات في التأليف.
قد يبدو للبعض أن المراهنة على “ضغط الخارج” وتفويت فرصة الدعم
الذي ناله ميقاتي في مستهل تكليفه هي الأسباب الحائلة دون التأليف فقط. يسقط من بال هؤلاء
أن الصراع على برنامج وطبيعة الحكومة ووضعيتها حيال إشرافها على “موجة” الإنتخابات المقبلة
إلى جانب التنافس على الجهة التي ستستحوذ عليها، هي لبُّ المشكلة
عودٌ على بدء، فإن هلال الحكومة المستقيلة ورئيسها حسان دياب سيهل مجدّداً. الأخير كرّر رفضه وما زال لإعادة
“تنشيط” الحكومة، لكنه في غضون ذلك ألزم نفسه من خلال تصريح
“احترام المهل القانونية المنصوص عنها في القانون الحالي الصادر عام 2017 لجهة بدء الإستعدادات للإنتخابات المقبلة”،
وموضع الإشارة يكفي لجهوزيته لأداء الدور، وللبحث صلة