المصدر: لبنان 24
ما إن أعلن صندوق النقد الدولي عن أنّ لبنان سيحصل على 860 مليون دولار من حقوق السحب الخاصة (SDR) التي ستُمنح للدول الأعضاء في آب الحالي، حتّى ذهبت مخيّلة بعض المسؤولين اللبنانيين إلى هندسة وجهة إنفاق هذه الأموال. تصاريح المسؤولين من نواب ووزراء معنيين، والتي ركّزت على عدم وجود شروط مسبقة من قبل صندوق النقد الدولي على لبنان لصرف هذه الأموال، كشفت جهل هؤلاء بآلية حصول لبنان، أو أيّ دولة عضو في الصندوق، على وحدات حقوق السحب الخاصة.
حصول لبنان على الأموال مرتبط باستعداد دولة ما لتبديل الوحدات الخاصة بالدولار
رئيس الجمعية الإقتصادية اللبنانية الدكتور منير راشد، وهو محاضر في إقتصاد الطاقة في الجامعة الأمريكية في بيروت،
وإقتصادي سابق في صندوق النقد الدولي، أوضح في حديث خاص لـ “لبنان 24″ آلية حصول لبنان على هذه الأموال
“الأمر الذي يتطلّب
إيجاد دولة عضو في الصندوق
توافق على تبديل وحدات الـ SDR، بعملة صعبة”. بمعنى مبسّط، حق السحب الخاص ( SDR) هو عبارة عن عملة صندوق النقد الحسابية، تتكوّن من سلّة من خمس عملات رئيسية،
لكنّها ليست عملة قابلة للتداول، ولا تُستعمل مباشرة في التمويل الخارجي، إلّا بعد مبادلتها بعملة صعبة كالدولار أو اليورو أو غيرهما، لتصبح قابلة للإستخدام.
نصيب لبنان من حقوق السحب الخاصة (SDR) بلغ 650 مليون وحدة حق سحب خاص، أي ما يعادل 850 مليون دولار.
ولكي يستبدل لبنان الوحدات الخاصّة بالدولار، يتطلب ذلك استعداد أيّ دولة من الدول الأعضاء
أن تشتري من لبنان الوحدات الخاصة، وتمنحه الدولار مقابل هذه العملية، وهو ما يعرف بالتبديل،
يلفت دكتور راشد “هنا يلعب صندوق النقد دور الوسيط فقط، فيعرض طلب لبنان على منصّة التبادل التلقائي.
الدول الأعضاء ليست ملزمة بالموافقة على هذا التبديل،
بل هو عملية طوعية، Voluntary Trading Arrangement، تستلزم وجود دولة لديها احتياطي فائض من الدولارات،
ولديها الإستعداد لتأخذ مثلًا 100 مليون وحدة سحب خاصة من لبنان وتمنحه 142 مليون دولار” (سعر وحدة SDR هذا الأسبوع دولار و42 سنت، سعرها يتغير ولكن بحدود بسيطة) .
من الصعوبة إيجاد دولة مستعدة للتبديل
يشير دكتور راشد إلى وجوب التقيّد بالمادة التاسعة عشرة من اتفاقية الصندوق،
التي تنصّ على شروط ووسائل استبدال حقوق السحب الخاصة بعملات احتياطية،
أبرزها البند الثالث الذي يتطلّب أن تبدي الدولة حاجتها الماسّة لاستعمال حقوق السحب الخاصة،
لتمويل ميزان المدفوعات، وليس لدعم السلع التي هي من نطاق عمل وزارة المالية.
وحدات حق السحب الخاصة ليست احتياطيا فعليا متوفرا بالنقد الاجنبي،
بل احتياطي ممكن “potential reserve” أضاف دكتور راشد “كون هذه الوحدات لا تستعمل مباشرة في التمويل الخارجي إلّا بعد استبدالها بعملات احتياطية.
وإذا عرض لبنان استبدال هذه الوحدات، ولم تبدِ دولة عضو في الصندوق استعدادها لتبديل هذه الوحدات بالدولار، هذا يعني عدم قابلية استخدامها، وهنا تكمن المعضلة”.
لذلك تحدث د. راشد إلى مصرف لبنان، ونصح المعنيين أن يعرضوا الموجودات،
ليعرفوا ما إذ كان لدى السوق الإستعداد لمنح لبنان هذا التبادل. وفق مقاربته وخبرته يلفت راشد إلى أنّ عملية
تبديل وحدات السحب الخاصة بالدولار ليست بهذه البساطة “خصوصًا أنّ الدولة البنانية كانت قد أعلنت إفلاسها رسيّما،
ووجود دولة مستعدّة لشراء الوحدات الخاصة من لبنان دونه صعوبات،
بسبب وضع لبنان. فعندما يُعرض طلب لبنان على المنصّة، تنظر الدول الأعضاء إلى وضع البلد،
ومجلسُ إدارة البنك المركزي في البلد المعني إلى جانب المدير التنفيذي الممثل للبلد في صندوق النقد الدولي، يطّلعان على التقارير الخاصة بلبنان، والتي تُثبت أنّه يعاني من عجز مالي، وعدم وجود حكومة،
وغياب أيّ برنامج إصلاحي، ووضعه حرج جدًا، فيحصل تردد من قبل الدول بسبب المخاطر الكبيرة التي يعاني منها لبنان،
مما يخلق شكوكًا بقدرته على إعادة هذه الأموال”.
سألنا الدكتور منير راشد، لماذا على لبنان أن يعيد هذه الأموال طالما هي من حصّته؟
” هذه الأموال ليست حصّة لبنان في صندوق النقد الدولي،
على عكس ما يعتقد البعض مخطئًا، فالكوتا شيء والـ SDR شيء آخر. حقوق السحب الخاصة مختلفة عن الدائرة التي تشتمل على الكوتا، إذ يتكوّن صندوق النقد من دائرتين رئيسيتين : دائرة الموارد العامة،
ودائرة حقوق السحب الخاصة، بموجب الأخيرة، يقوم الصندوق بتوزيع حقوق السحب الخاصة
على الدول الأعضاء من دون مقابل، يُسجّل التوزيع بحساب كلّ دولة كدائن ومدين في الوقت ذاته، وبالتالي لا يكون هناك زيادة بالإحتياطي
كما يحقّ للصندوق الغاء هذه الحقوق. وتحصل كلّ دولة على حصّة من كلّ توزيع، كنسبة من الكوتا التي لديها في الصندوق.
هذه الوحدات ليست حصّة الدول الأعضاء، وليست الكوتا التابعة لها في الصندوق.
مثلًا لبنان لديه كوتا، تقدّر بحوالي 640 SDR، ندفع منها 25% بالدولار، و75% بالعملة المحليّة،
وما يمكن استخدامه
هو نسبة الـ 25% نسميّها reserve quota. لذا ما يتوفّر للبنان من احتياطي جاهز للاستعمال في صندوق
النقد هو فقط 158( 224 مليون دولار) وحدة حق سحب خاصة، من دون شروط”.
ما دور مصرف لبنان في هذه العملية؟
لمصرف لبنان الدور المحوري، يوضح راشد “بمعنى أنّ هذه الوحدات تُعطى لحساب البنك المركزي،
وعليه أن يحدّد كيفية استخدامها، من خلال عرض الوحدات أو جزء منها للبيع، في حال كان هناك بنك مركزي في بلد عضو مستعد
أن يشتري هذه الوحدات، وهذه المعاملات تتم بين البنوك المركزية وليس مع وزارة المالية“.
بالخلاصة، على المعنيين في بلدنا أن لا يحتسبوا الـ 860 مليون دولار الموعودة من صندوق النقد الدولي،
وكأنّها أصبحت في الجيب، فهناك مهمّة تبدو شاقة،
وهي إيجاد دولة توافق على تبديل وحدات الـ SDR بعملات صعبة، بظل المشهدية اللبنانية بشقيّها السياسي والمالي.
والأجدى الذهاب بسرعة نحو تأليف حكومة موثوقة من المجتمعين العربي والدولي، بدل سياسات الترقيع المكلفة.