بقلم سينتيا سركيس – موقع mtv
كثر بلّوا يدهم بالمكائد السياسية والعراقيل التي أفضت إلى وقوع لبنان في الانهيار الكبير… فصحيح أن الفساد والهدر والسرقات التي شرعت على مصارعيها منذ ما قبل خروج السوريين من لبنان، تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية لما آلت إليه الاوضاع، إلا أن التعطيل والفراغ اللذين حكما لبنان طويلا في السنوات الأخيرة، إنما يتحملان هما أيضا جزءا مهما من ثقل “مصيبتنا” اليوم.
سنسلط الضوء في ما سيأتي على مسيرة طويلة من التعطيل حكمت لبنان ما بعد الـ2005 نتيجة حسابات سياسية ضيقة، ومحاصصات لا تزال تعيق حتى اليوم تشكيل حكومة في لبنان.
البداية كانت مع حرب تموز 2006 التي بلغت كلفة خسائرها على الاقتصاد اللبناني والمالية العامة حوالى 1،6 مليار دولار، لتليها استقالة الوزراء الشيعة من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في خريف العام نفسه على خلفية تحديد موعد لإقرار مشروع النظام الداخلي للمحكمة الدولية. والاستقالة تبعها اعتصام ونصب أكثر من 600 خيمة حول مقر رئاسة الحكومة في وسط بيروت، والذي استمر 18 شهرا، مما أدى إلى شلل تام في وسط بيروت والشوارع المحيطة، وبالتالي إقفال عشرات المؤسسات التجارية، مما تسبب بخسائر قدّرت بـ10 ملايين دولار يوميا.
اتفاق الدوحة في أيار 2008 جاء حلا للمشهد السابق ذكره إضافة إلى انتخاب الرئيس ميشال سليمان بعد فراغ استمر أشهرا تلى انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود، وبالتالي كلف بعدها سعد الحريري بتشكيل حكومة.
رحلة التشكيل استغرقت 5 أشهر، نتيجة الخلاف بين الحريري ورئيس التيار الوطني الحر يومها ميشال عون على خلفية إصرار الاخير على توزير صهره جبران باسيل، رغم خسارته في الانتخابات النيابية. ونذكر جميعا الجملة الشهيرة لعون: “لعيون صهر للجنرال ما تتشكل حكومة، روحوا دقوا راسكن بالحيط”.
حكومة الحريري، أسقطت لاحقا في كانون الثاني 2011، حينما كان يهمّ بدخول البيت الابيض للقاء الرئيس الأميركي، حيث استقال وزراء حزب الله والتيار على خلفية عدم الاستجابة لطلب عقد جلسة لمجلس الوزراء في مواجهة المحكمة الدولية.
بعد الحريري، جاء دور ميقاتي، الذي استغرق تشكيل حكومته 5 أشهر، والخلاف الاساسي كان حينها على منصب وزير الداخلية، ليعود ويستقيل في آذار 2013 بعد ساعات على فشل مجلس الوزراء في التوافق على إقرار تشكيل هيئة للاشراف على الانتخابات، إضافة للتمديد للمدير العام لقوى الامن الداخلي حينها اللواء اشرف ريفي.
بعدها، قضى تمام سلام 11 شهرا في مخاض تشكيل الحكومة، والعراقيل الاساسية كانت عدم التوافق على حقائب الخارجية والداخلية والطاقة والأشغال.
اما الفترة الأطول التي حكمها الفراغ في لبنان، فكانت ومن دون منازع، فترة الفراغ الرئاسي التي استمرت سنتين ونصف، والتي عقدت فيها 45 جلسة من دون اكتمال النصاب، بعدما قاطعها حزب الله والتيار الوطني الحر، بحجة عدم التوافق على مرشح، وفي إصرار ضمني على وجوب انتخاب “الرئيس القوي مسيحيا” ميشال عون. هذا الفراغ الطويل كلف لبنان الكثير، حيث انه قطع الطريق امام تلقي البلاد القروض والمساعدات التي تقدر بمليارات الدولارت، كما انه اصاب إدارة شؤون الدولة بالشلل.
حكومة الحريري اللاحقة، كانت أيضا مفخخة بالتعطيل المستمر والمماحكات داخلها، وصولا إلى حادثة قبرشمون التي عطلت انعقاد مجلس الوزراء أشهرا في وقت كانت الازمة تطلّ برأسها وكان الوقت للعمل وإيجاد الحلول بدل النكايات السياسية.
بعد ثورة تشرين واستقالة حكومة الحريري، تشكلت حكومة حسان دياب التي استقالت هي الأخرى بعد انفجار مرفأ بيروت في آب 2020، ليبسط بعدها الفراغ ذراعيه ويستفيض، حيث أنه وحتى اليوم، اعتذر مصطفى أديب وسعد الحريري عن تشكيل حكومة جديدة، فيما يستعد نجيب ميقاتي لركوب القطار نفسه، وسط صراع على الصلاحيات وحقوق الطوائف ومحاصصات مخزية.
أشهر طويلة قضاها لبنان بين تكليف وآخر، وبين استقالة وإقالة، وحروب عبثية وعناد سياسي كلفنا ما نعيشه اليوم من انهيار شامل، وسقوط مدوّ للدولة وسط لا مبالاة مريبة لأهل السلطة، فإذ بالتعنت السياسي يضحي الحاكم، الأطول عهداً… ولو على جثث اللبنانيين وأحلامهم.