الانباء الكويتية
مع استمرار أزمة تشكيل الحكومة، تتجه الأنظار الى الانتخابات النيابية المقرر إجراؤها في الربيع المقبل. هذه الانتخابات استحقاق مهم ومفصلي ينظر إليه في الداخل على أنه المخرج المتاح حاليا من الأزمة بالاحتكام الى الشعب ليقول كلمته. وينظر إليه في الخارج على أنه السبيل الوحيد لتجديد الطبقة السياسية وإعادة إنتاج السلطة بالطرق السياسية الديموقراطية. ولذلك، فإن المجتمع الدولي الذي «يئس» من الملف الحكومي تحول الى موضوع الانتخابات وبات يركز على أمرين:
ـ الأول هو حفظ الوضع الأمني ومنع حصول تفكك وانهيار فيه، ولذلك يجري توفير الدعم المادي واللوجستي للجيش والقوى الأمنية.
ـ الثاني هو التأكيد على إجراء الانتخابات في موعدها، ولذلك جرى إيصال رسائل حازمة بهذا المعنى الى القوى الفاعلة والمؤثرة في لبنان، التي جرى إفهامها أن تأجيل الانتخابات غير مقبول تحت أي ظرف. رغم هذا التشديد على موضوع الانتخابات الى درجة اعتبارها «خطا أحمر»، فإن احتمال أو خطر تأجيل الانتخابات يظل قائما. وهناك عاملان يمكن أن يدفعا الى إلغاء الانتخابات ويتسببا به وهما:
1 ـ الخلاف حول قانون الانتخابات الذي أقر عام 2018 وجرت آخر انتخابات على أساسه. هذا القانون مازال موضع خلاف وتنقسم الآراء حوله بين من يتمسك به ويعتبر أنه عكس التمثيل الصحيح وتركيبة المجتمع الطائفي،
ومن يرفضه ويعتبره سيئا لأنه ضرب الحياة البرلمانية والتمثيل الصحيح، وبالتالي هناك حاجة وضرورة لتغييره أو لإدخال تعديلات ملموسة عليه منها الدوائر الانتخابية، بعدما ثبت فشل «النسبية» في الدوائر الصغرى،
ورفع الصوت التفضيلي من صوت واحد الى صوتين، بما يمنح الناخب حرية أكبر وأوسع للاختيار،
وتخفيض سن الاقتراع الى 18 عاما، وتجاوز انتخاب المغتربين ووقف العمل بالبطاقة الممغنطة،
إلخ.. الرئيس نبيه بري هو أول الرافضين للقانون الحالي الذي وافق عليه على مضض،
ولكنه لا يراه أساسا صالحا لانتخابات ثانية. يفعل بري ذلك من باب «تسجيل موقف» على الأرجح، وليس في خططه فتح ملف قانون الانتخابات وباب النقاش حوله مجددا في هذه الفترة الوجيزة الفاصلة عن الانتخابات.
وأي توجه من هذا القبيل سيعد بمنزلة مؤشر واضح الى وجود نية أو رغبة بعدم إجراء الانتخابات في موعدها.
ولذلك، فإن هناك ما يشبه «التسليم» بقانون الانتخابات النافذ حاليا، وبأن هناك صعوبة فائقة في تغييره أو حتى في تعديله.
2 – السبب الثاني لعدم إجراء الانتخابات يكمن في الوضع الأمني الآخذ في التدهور،
والذي يتحول يوما بعد يوم الى مصدر الخطر الأساسي على الانتخابات. فما كان مرتقبا ويعتبر هاجسا وتوقعا،
وهو انكسار الحلقة الأقوى المتمثلة في «الأمن»، بدأ يتحقق على أرض الواقع،
وقد دخلنا مرحلة التفلت والفوضى وارتفعت معدلات جرائم القتل والسرقة،
وتكاثرت الحوادث وأعمال العنف والاشتباكات المتنقلة بين المناطق والطوائف وداخلها..
وهذا المنحى سيتواصل ويتجه الى الأسوأ لسبيين على الأقل: الأول هو اشتداد الأزمة الاقتصادية والضائقة الاجتماعية
الى درجة تعذر الحصول على الأساسيات الحياتية وتعطل المرافق والبنى التحتية،
وتفاقم حالات الفقر والعوز والجوع، مترافقا مع ازدياد أجواء التوتير والشحن الطائفي والمذهبي
والسياسي مع ارتفاع الخطاب الشعبوي لدواعي شد العصب واستقطاب الشارع.
وما يزيد في الوضع خطورة أن القدرة على ضبط الوضع الأمني والسيطرة
عليه تتآكل مع الوقت، في ظل تراجع الإمكانات والمعنويات لدى المؤسسات العسكرية
والأمنية التي تواجه أكثر من غيرها ضغوط وتداعيات الأزمة المالية والاقتصادية.
التخوف من تأجيل الانتخابات بات أحد الملفات المتداولة خارجيا ولدى الأوساط الديبلوماسية.
فهناك ملامح كلام غربي عن احتمالات ذهاب لبنان الى مستويات أكثر حدة من تلك التي يعشيها حاليا،
إن على المستوى المعيشي أو الأمني والسياسي. وتبعا لذلك، يصبح الخوف من تطيير الانتخابات قائما ومشروعا، خصوصا إذا تعثرت المفاوضات
الدولية والإقليمية، فيصبح من السهل حينها تحويل الانتخابات الى ورقة من أوراق المساومة.
وما تخشى منه هذه الدول المعنية بالوضع اللبناني أن يكون المطلوب
في مرحلة تعقيدات إقليمية هو الذهاب الى نوع من مراجعة للنظام اللبناني لا يمكن أن
يتم إلا عبر تطيير استحقاق تلو آخر، وقد تكون البداية من الانتخابات.
ولذا تحاول جاهدة الضغط من أجل إجرائها في محاولة لاستباق أي تطور دراماتيكي وخطوات غير محسوبة.
فالمؤشرات كثيرة ومقلقة، من التعثر في تشكيل الحكومة منذ أكثر من سنة وتوقع انسحابه على الانتخابات
التشريعية وعلى انتخاب رئيس الجمهورية، الى اشتداد الأزمة الاقتصادية بعد رفع الدعم بشكل كامل الى انهيار الأمن الاجتماعي.
في الواقع، يقف لبنان حاليا عند مفترق طرق حاسم ويتحدد مساره و«مصيره» انطلاقا من الملف الحكومي وما ستؤول إليه:
ـ إذا قيض لـ«حكومة ميقاتي» أن تتشكل يعني هذا، الدخول في مسار انفراج محدود
ووقف الانهيار والذهاب الى انتخابات.. ستكون حكومة انتخابات بالدرجة الأولى، وأما حكومة الإصلاحات الجذرية،
فإنها تنبثق عن البرلمان الجديد.
ـ إذا فشلت محاولات تشكيل الحكومة وذهب الرئيس ميقاتي الى خيار الاعتذار،
هذا يعني الدخول في مسار تصعيد وفوضى بوتيرة متسارعة، سيتعذر معها إجراء الانتخابات في موعدها.
بعد ميقاتي، لا تكليف جديد ولا حكومة إلا حكومة تصريف الأعمال التي فشلت في «إدارة الانهيار»،
وستكون عاجزة عن مواجهة الوضع الجديد الدراماتيكي.. والى الفراغ الحكومي سيضاف «تمديد نيابي»
وفراغ رئاسي، والأزمة المتدحرجة نحو «قعر الهاوية» ستصل الى «المؤتمر التأسيسي»، والى «الجمهورية الثالثة».