المصارف تسرق ليرات المودعين والموظفين…

بقلم ليا القزي – الأخبار

«في اللحظة التي تضع فيها مصرفاً تجارياً وسيطاً بين أموال المصارف المركزية والمودعين، يحدث أمران: إمّا أنّ أكثرية المال لا يصل أبداً إلى الناس، أو يذهب بجزء كبير منه إلى أولئك الذين لا يحتاجون إليه». العبارة الواردة في كتاب وزير المالية اليوناني السابق يانيس فاروفاكيس، «واقع آخر… رسائل من الحاضر البديل»، تنطبق بشكل تامّ على ما يجري في لبنان: البنك المركزي يُعطي المصارف التجارية أموالاً نقدية بالليرة اللبنانية. المصارف تُخفّض سقف السحوبات للمودعين وتُطفئ ماكينات الصرّاف الآلي فلا يتمكّن حتى من لم يتخطَّ «السقف» من سحب أمواله. المال لا يصل إلى المودعين والموظفين والعائلات.

إجراء تقنين سحوبات الليرة ليس جديداً، بل فُرض منذ حصول الانهيار. لم يُخفِ حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، سياسته القاضية بامتصاص الكتلة النقدية من السوق. فيعتبر أنّه بهذه الطريقة يحدّ من قدرات الناس الاستهلاكية، فلا تعود رواتبهم أو مدخراتهم تكفي سوى لتسديد الفواتير الأساسية كالكهرباء والمولدات الخاصة والبنزين…

بالتالي يتحقّق «حلمه» بتخفيض فاتورة الاستيراد، ويمنع الأفراد من استبدال ليراتهم بالدولار،

فيضبط سعر الصرف في السوق الموازية. في الأسابيع الماضية، «خَنقت»

المصارف السحوبات بالليرة أكثر، وامتنعت عن إعطاء الموظفين رواتبهم،

مُستثنية الشركات التي تأتيها بالليرات النقدية. لماذا؟ جمعية المصارف أصدرت بياناً يوم الجمعة تضع فيه اللوم

على مصرف لبنان لأنّه «خفّض سقوف الأموال النقدية التي يُمكن للمصارف سحبها من المركزي بحسب

كوتا تمّ تحديدها لكل مصرف». لكنّ جمعية المصارف تكذب. والاتهام لا يأتي من أي جهة

بل من البنك المركزي. يُنقل عن سلامة أنّه كان يُعطي المصارف كميات كافية من الليرة،

احتفظت بها لتشتري الدولارات. وهو ما يظهر في إحصاءات مصرف لبنان عن الميزانية المجمّعة للمصارف.

يندرج ضمن الميزانية حساب اسمه «رصيد الخزينة النقدي»،

يضمّ الليرات النقدية التي تملكها المصارف في محفظتها للتمكّن من تلبية الاحتياجات والعمليات اليومية.

في تموز عام 2020، بلغت موجودات الحساب 1.7 ألف مليار ليرة.

انخفض المبلغ في تشرين الأول عام 2020 إلى 1.3 ألف مليار ليرة،

قبل أن يرتفع من جديد إلى 2.5 ألف مليار ليرة في حزيران 2021، ثم 2.4 ألف مليار ليرة في تموز الماضي.

يعني أنّ المصارف قادرة على إعطاء المودعين والموظفين ليراتهم.

يُدافع مدير أحد المصارف من الفئة الأولى بالقول إنّ «الرقم يشمل المصارف مجتمعةً،

ولكن يجب النظر إلى حالة كلّ بنك على حدة. فمنّا من يتعرّض لتضييق كبير من مصرف لبنان، عبر تخفيض حجم الكوتا بالليرة».

ماذا عن تلك المعفاة من «حصار» سلامة؟ تُخزّن كميات كبيرة من الليرة لتشتري بها الدولارات.

فالمصارف لم تستطع بعد تكوين سيولة بنسبة 3 في المئة (من مجمل الأموال المودعة لديها بالعملات الأجنبية)

في حساباتها مع المصارف المراسلة في الخارج، ولديها استحقاقات مصرفية عدّة تحتاج – لإتمامها – إلى الدولار النقدي.

فضلاً عن أنّ التعميم 158 (دفع 50 في المئة من الودائع بالدولار و50 في المئة بالليرة)

«شرّع» لجوءها إلى السوق، حين سمح للمصارف استخدام سيولتها الخارجية لدفع الجزء من الوديعة بالدولار

«شرط إعادة تكوين نسبة الـ3 في المئة في الحسابات لدى المصارف المراسلة في مهلة أقصاها 31/12/2022».

خلال مقابلته الأخيرة مع راديو «لبنان الحرّ»، نفى الحاكم وجود عجزٍ في حسابات المصارف في الخارج،

بل تحدّث «عن 5 مليارات دولار أميركي مع المصارف المراسلة». بالعودة أيضاً إلى ميزانية مجمّعة للمصارف،

يظهر العكس. فقد بلغت موجودات المصارف اللبنانية لدى المصارف المراسلة في تموز الماضي، 4 مليارات و702 مليون دولار أميركي،

مُقابل التزامات بقيمة 5 مليارات و310 ملايين دولار أميركي، أي أنّه يوجد عجز في الحسابات يبلغ 608 ملايين دولار،

وليس فائضاً بـ5 مليارات كما أوحى الحاكم. انخفض العجز في الحسابات

مع المصارف المراسلة من 3 مليارات و155 مليون دولار في تموز عام 2020 إلى 608 ملايين دولار قبل شهر، وقد كان لسلامة و«السوق»

الفضل في ذلك. فكما بات معروفاً أنّ الانهيار الكبير لليرة أواخر عام 2020 وبداية عام 2021،

تسبّبت به هجمة المصارف لشراء الدولارات وترحيلها إلى الخارج. بالتوازي، كان مصرف لبنان يلعب دور «المنقذ الأخير».

يُعلن أنّه لا يملك الدولارات لاستيراد المحروقات والدواء، ولكنّه يُخرج «9 مليارات و600 مليون دولار لتسديد التزامات

خارجية لصالح المصارف، وودائع ائتمانية أي التي يودعها مصرف أجنبي لدى مصرف لبنان مع تجهيل هوية الزبون الفعلي ،

بحسب مصادر مصرف لبنان. الأخير أقرض المصارف الدولارات النقدية بفائدة بنسبة 20 في المئة،

وكانت هذه المعاملات محصورة الموافقة عليها بين سلامة ومدير القطع في «المركزي» نعمان ندّور،

من دون أن يصدر تعميم يُنظّمها. استخدمت المصارف الدولارات لتُنقذ نفسها وأموال أصحابها،

وحقّقت بسببها أرباحاً كبيرة لأنّها سدّدت القروض لمصرف لبنان بالدولار الوهمي («اللولار»).

وحالياً هي مستمرة في السياق نفسه، تدمير المجتمع عبر الاستيلاء على أمواله بالليرة،

لتستخدمها في عملية تجميل ميزانياتها، من خلال شراء الدولارات من السوق! لدى المصارف حرية الحركة،

بغياب المحاسبة من مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، وبمنع مجلس النواب من إقرار قانون القيود على التحويلات المالية.

Exit mobile version