بقلم محمد الجنون – Lebanon24
لا يمكنُ أبداً نكران المناورات التي يشهدها الملف الحكومي، خصوصاً أن كل طرفٍ من الأطراف يسعى لضمان التوازنات بناء لتوجهاته. وبناءً لهذه القاعدة، فإنّ رئيس الجمهورية ميشال عون يسعى لأن يضمن صلاحياته من موقعه، ومن وجهة نظر فريقه فإن من حقه أن يكون له الرأي في التشكيل، كما أنه لن يقبل بتطويقه عبر حقيبة من هنا أو هناك.
ومع ذلك، يرى عون أنه يخوض معركة الحفاظ على كيان رئاسة الجمهورية بعدما جرى استضعافها لسنوات طويلة خصوصاً بعد اتفاق الطائف.وفعلياً، قد يكون هذا التوجه مُحقاً بالنسبة لعون، خصوصاً أن فريقه يرى أن المعركة التي تطاله هدفها إضعاف التيار “الوطني الحر” الذي يمكن أن يؤثر على التوازنات الانتخابية أكثر من خلال عناوين عريضة أطلقها وسيحملها لاحقاً في الاستحقاقات القادمة.
في المقابل، وبعيداً عن “صراع الأقطاب” وبمنأى عن الاستهداف المُركّز الذي يتعرض له عون من بعض الجهات السياسية خصوصاً في الشارع المسيحي، فإن الأطراف المُراقبة ترى أن رئيس الجمهورية يسعى إلى تعويم النائب جبران باسيل أكثر فأكثر. ومن دون أدنى شك، فإنّ الحراك الدولي المستمر لتسريع تشكيل الحكومة بات أكثر جدية، إلا أنّ عون يشعرُ أن هناك أمراً ناقصاً في ذلك ويتحدد في عدم مبادرة أي جهة خارجيّة “فاعلة” باتجاه باسيل للوقوف عند تطلعاته بشأن الحكومة والنظام. كذلك، فإن رئيس الجمهورية يرى أنّ تحصين باسيل والسعي لتحريره من العقوبات المفروضة عليه هو الهدف الأبرز أيضاً بالنسبة له.
وعملياً، تعدّ هذه المساعي التي يقودها عون تأكيداً على أنه لا يمكن استثناء باسيل من اللعبة السياسية كما يريد البعض، باعتبار أنه رئيس أكبر كتلة مسيحية في البرلمان. إلا أنه في ظل هذه المشهدية ووسط الكباش القائم، يمكن القول أن الإيجابية المرتبطة بالملف الحكومي قد تتبدّد، إلا إذا كانت هناك ضغوطٌ أكبر من المتوقع.
وحتى الآن، فإنّ العُقد ما زالت قائمة كما أنه لا إشارات واضحة للوصول إلى تأليفٍ مُرضٍ خصوصاً عندما باتت تسشعر الأطراف السياسية أنّ عون يعمد إلى تضمين أسماء “ملغومة” في التشكيلة لضمان الثلث المعطل “المُقنّع”.
وإلى جانب كل ذلك، فإن عون يهدف إلى رسم حدود أبعد من العهد، وقد يرى أن الوقت حان لإعادة تشكيل اتفاق الطائف باعتبار أنه خذل المسيحيين وبدّد حقوقهم. وبالنسبة لخصومه، فإنّ عون يريد كسب حكومة تضمن مرحلة ما بعد عهده.
وبشكل أو بآخر، فإنّ تشكيل حكومة اليوم قد يضع عون أمام خسارة بعض الصلاحيات الحالية،
كما أن سيسحبُ منه الأدوار الفعلية والتي جعلت منه “قبلةً” يهتدي إليها الجميع سواء في الداخل أو في الخارج.
وفي المضمون، فإن هذا الأمر الذي يريده عون وقد يكون أساسياً بالنسبة لأي رئيس جمهورية.
فـ”الجنرال” يعتبرُ نفسه “الأقوى” من موقعه، ويمكنه تحريك المجلس الأعلى للدفاع في ظل الحكومة المستقيلة،
ويفاوض في أي ملف كما أنه يرى نفسه الجهة الأولى التي يجب الحديث معها قبل أي أحد.
وكمثال على ذلك، فإنّ اتصال السفيرة الأميركية دوروثي شيا برئيس الجمهورية
قبل أسابيع بشأن الغاز المصري ساهم في جعل عون يشعر بأنه الوجهة الأساسية في الدولة قبل أي رئيس الحكومة او المجلس النيابي أو السياسيين.
ومع هذا، فإنه في حال “رضخ” عون للضغوط الحالية وسلّم بتشكيلة حكومية لا تُراعي التوازنات التي يريدها،
فإنه سيفقد القدرة على إدارة معركة الانتخابات النيابية المقبلة كما سيخسر القدرة
على التحكم بمسار السلطة عندما تنتهي ولايته الرئاسية. ومن وجه نظر الخصوم، فإنّ عون لا يريد
أن يخسر كلمة الفصل في الحكومة باعتبار أن الإمساك بمفاصلها يسمح له بأخذ قراراتٍ تستهدفُ رؤوساً كبيرة من دون أن يوقفه أحد.
وفي تفسير لكل ذلك، ترى مصادر سياسية من نسيج قوى الـ”14 من آذار” أنّ “الممارسات الحالية
تضرب جوهر النظام البرلماني وتمسّ بروحية اتفاق الطائف”. وهنا، ما يمكن استنتاجه أيضاً
أنّ عون يسعى لإرساء نظام جديد يكون فيه رئيس الدولة سيد كل السلطات.
ad
وفي الواقع، فإنّ كل ذلك يعني تأسيساً لبديل عن النظام الحالي، وهذا ما لا يرضى به أحد حالياً.
إلا أن المعركة القائمة لا ترتبطُ في منع عون من اتخاذ تلك الخطوة، بل على العكس،
فإن بعض خصومه يسعون لتشويه صورة العهد أكثر حتى نهايته، لكن المعضلة بالنسبة لهؤلاء
ترتبطُ في أنّ المساعدات التي قد يحصل عليها لبنان قد ينسبها عون إلى عهده.
ومن هذه النقطة، كان الخلاف الجوهري على الوزارات في التشكيلة الحكومية. وفعلياً،
فإنّ رئيس الجمهورية يريدُ الإمساك بحقائب أساسية مثل الاقتصاد ليكون عنصراً فاعلاً في المفاوضات
مع صندوق النقد الدولي، ولكي تكون خطة التعافي الاقتصادي ممهورة بتوقيعه أولاً وأخيراً.
وفي ظل ذلك، يبرزُ حراك الرئيس المكلف نجيب ميقاتي على خط الحفاظ على الصلاحيات
سواء لرئاسة الحكومة أو لرئاسة الجمهورية. ومما لاشك فيه أن عون يدرك قدرة ميقاتي على
تخطي العقبات المتصلة بالحكومة، كما أنه يعي أن الرئيس المكلف لا يهدف الى الغاء أحد بقدر ما يريد الانقاذ.
وعلى أساس ذلك، يمكن أن يكون التلاقي والانسجام في حكومة “مهمة” بقيادة ميقاتي،
باعتبار أن الأخير يمكن أن يساهم عبر الغطاء الدولي بالتأسيس لمرحلة الانقاذ والتعافي
بعيداً عن الاصطفاف السياسي. والى جانب هذا، قد تكون مساعي ميقاتي للوصول الى حكومة كفيلة
بفتح باي المساعدات الأكبر للبنان، وهذا ما لا يرفضه عون أولاً ولا أي فريق ثانياً.
المصدر: خاص “لبنان 24”