المصدر: المدن
“وأخيراً، نجح لبنان في تشكيل حكومة جديدة برئاسة نجيب ميقاتي، بعد 13 شهراً من استقالة حكومة الدكتور حسان دياب. وهي في المحصلة، خطوة إيجابية كبيرة مقارنة مع حالة الـ”لا حكومة” التي كانت سائدة، وكلفت البلاد من عمرها وإمكاناتها وعافيتها كثيراً. فقد أظهر الرئيس ميقاتي منذ تكليفه الكثير من البراعة في الحركة، وفن التفاوض اليومي، والبرهنة ساعة بساعة أن عملية تشكيل الحكومة بحاجة لحيوية، تعكس جدية في تنكب هذه المسؤولية تجاه الرأي العام المحلي والخارجي.
إلا أن ولادة هذه الحكومة ترافقت مع مجموعة من المعطيات والمؤشرات الإقليمية والمحلية المحيطة المهمة، التي لا يمكن التغاضي عنها وتجاهلها.
أولها أن هذه الحكومة ولدت بالترافق الزمني مع ولادة الحكومة الأولى لحركة طالبان في أفغانستان، والتي أتت بعد تطور مهم تمثل في انسحاب إشكالي بظروفه ومعطياته، وغير لائق بسمعة دولة عظمى مثل الولايات المتحدة الأميركية.
ثانيها أن الولايات المتحدة نفسها التي انسحبت من أفغانستان تاركة البلاد لطالبان، كانت سمحت بطريقة أو بأخرى لعودة التواصل بين لبنان الرسمي، عبر بعض أشلاء حكومة حسان دياب، والنظام السوري برئاسة بشار الأسد، عبر إثارتها من طرف واحد قضية استجرار الغاز المصري إلى لبنان، الذي يجب أن يمر حكماً بالأراضي السورية وعبر سلطة حكومتها ونظامها. وهذه خطوة فيها الكثير من الإيحاءات والتمريرات التي فسرت وتفسر بأكثر من معنى ومقصد.
ثالثها أن موقف الولايات المتحدة التي سبقت أن شهرت سيف عقوبات قانون قيصر، وقبله سيف عقوبات قانون ماغنيتسكي، أعادت سيفها إلى غمده مع خطوة حزب الله في استجرار المازوت الإيراني.
كل هذه المعطيات المرافقة لولادة الحكومة، هي التي سمحت لصهر العهد “الملا” جبران باسيل أن يدخل في مفاوضات مكوكية على الطريقة الميقاتية مع صهر آل ميقاتي، قنصل لبنان الفخري في موناكو، مصطفى الصلح. فكانت حكومة الصهرين نتاج أخذ وردّ أنتج -حسب الرئيس ميقاتي- حكومة ليس فيها أي ثلث معطل مستتر أو ظاهر لأي طرف من الأطراف!؟
رابعها أن هذه الحكومة مهد لولادتها اتصال هاتفي مطول بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي. وقد تناول هذا الاتصال المفاوضات النووية الغربية مع إيران وإطارها وضرورة استكمالها، وموضوع لبنان والتقاطع الفرنسي الإيراني بخصوص نية مساعدة لبنان على مواجهة الصعاب. طبعاً، من دون تجاهل دور وموقع حزب الله في لبنان والمحيط، حسبما أشارت المعلومات المرافقة الاتصال. ومن دون أن نهمل مظلة العقود الضخمة والعائد المالي الكبير الذي ستحصل عليه شركة توتال الفرنسية في العراق، حيث تراوحت عائدات العقود المتوقعة والمشار إليها بين 27 و95 مليار دولار. وكلها أعمال نفطية ومشاريع بنى تحتية كبيرة وعملاقة.
خامسها أن هذه الحكومة ابتعدت عن المواصفات التي كانت وضعت
إبان إطلاق المبادرة الفرنسية الشهيرة، يوم زار الرئيس الفرنسي ماكرون لبنان،
حين كان الحديث عن حكومة مصغرة من الاختصاصيين المستقلين غير الحزبيين،
فانتهت حكومة ميقاتي إلى حكومة تعكس تمثيل كل القوى السياسية. لكن من دون أسماء حزبية نافرة ومستفزة.
بل بأسماء غير مستهلكة سابقاً، مع بعض الشخصيات
والأسماء من أصحاب الاختصاص التقنيين، البعيدين عن الحزبية النافرة والفاقعة.
بمعنى آخر، فان حكومة ميقاتي في تركيبتها لم تقطع مع طرف من الأطراف السياسية.
فكانت في قدر كبير تمثل الواقعية السياسية الحالية، وفي جزء كبير
منها انعكاساً للقوى السياسية الحزبية والطائفية مع أسماء قيد التجريب والاختبار.
إذاً، حكومة جديدة ولدت بعد انتظار طويل ومكلف على مختلف المستويات.
وإذا كانت الخطوة الأولى قد قطعت، فان خطوات عديدة تنتظر هذه الحكومة.
لكن الواضح أن الحكومة الحالية ستميز نفسها عبر ميزتين بدأت بهما قبل أن تنال الثقة أبرزها:
– أن العلاقات العربية للحكومة ستكون مختلفة، وعلى وجه الخصوص تجاه سوريا. وهذا ما أعلنه رئيسها بقوله “إننا لن نعادي أحداً”.
– وثاني الأمور، أن مسألة رفع الدعم عن كثير من السلع باتت من المسلمات.
وقد أشار الميقاتي إلى أنه لم يعد لدينا عملات صعبة لكي ندعم بها،
ونحن في مرحلة شدّ الأحزمة. فالطائرة في حالة هبوط اضطراري وعلى الجميع التصرف على هذا الأساس.
يبقى السؤال، هل أن الكلام الذي قاله رئيسها بأنها لا تحتوي على أي ثلث معطل لأي طرف واقعي؟
في احتساب موازين القوى لا يبدو هذا الكلام واقعياً. فتحالف قوى الثامن
من آذار بقيادة حزب الله، ما يزال يتمتع بالأكثرية داخل الحكومة. وهو قادر على التحكم بقرارها
وبثلثها وربما أكثر. وحين شكل الرئيس سعد الحريري حكومته في عهد الرئيس ميشال سليمان،
لم يكن يعلم من هو الوزير الملك، الذي ظهر حين دخل إلى الاجتماع مع الرئيس الأميركي
باراك أوباما. وأدى ظهوره إلى استقالة الحكومة، وتحويل الحريري إلى رئيس سابق!
لذلك، مع الثقة بكلام الرئيس ميقاتي، الذي سجل إنجازاً كبيراً بتشكيل الحكومة الجديدة،
يبقى السؤال من هو الوزير الملك في الحكومة الجديدة ومتى يظهر؟”
عارف العبد – المدن