المجذوب يغادر بفضيحة من العيار الثقيل: دكان جامعي يخرّج أمّيين برتبة مهندسين

المدن

أبى وزير التربية، طارق المجذوب، ترك وزارته من دون فضيحة من العيار الثقيل، تهز وزارة التربية، التي يسلمها لخلفه عباس حلبي، بعد صدور مراسيم تشكيل الحكومة الجديدة. برفض الوزير المجذوب قرار مجلس التعليم العالي، القاضي بإلزام “الجامعة اللبنانية الفرنسية” (الكورة) امتحان طلابها في الجامعة اللبنانية لتصديق شهادتهم أو رفضها.. سيُدخل إلى نقابة المهندسين خريجين لا يمتلكون أدنى المعايير ليصبحوا مهندسين. فقد تبين أن مجلس التعليم العالي أصدر قراره بحق هذه الجامعة، في محاولة لتصويب مسار التجاوزات الكثيرة التي حصلت سابقاً، قضى أقله بإجراء امتحانات لطلابها في الجامعة اللبنانية كي لا تحل الكارثة.

تاريخ الجامعة
ملف هذه الجامعة الكائنة في الكورة مزمن ومتشعب. فقد تأسست كمعهد تكنولوجي، في منتصف التسعينيات، لكن الوساطات الطائفية والسياسية المعتادة في لبنان، حولتها إلى جامعة، وتأسست فيها كلية هندسة. وحصلت على تقارير موافقات اللجان الفنية والمراسيم القانونية، رغم أنها غير مستوفية الشروط، في عهود الفساد التي مرت على مجلس التعليم العالي والوزرات المتعاقبة.
ورغم وجود آراء حول عدم أهلية هذه الجامعة، ليس لافتتاح كلية هندسة، وافتقادها إلى أبسط المعايير الفنية فقط، بل تبين للجان مجلس التعليم العالي، أنها لا تستحق “حتى أن تكون حضانة أطفال”، وفق تعبير أحد أعضائها، مُرِّر ملفها بأكثرية الأصوات، وتمت تسوية ملفها بالوساطة، بعد موافقة مدير عام النقل والأشغال السابق، ونقيب المهندسين السابق، ومدير عام التعليم العالي السابق أحمد الجمال، الذي انفجرت أيامه فضائح بيع الشهادات وأُدخل إلى السجن.

كان ذاك المجلس يمرر ملفات هذه الجامعة بأكثرية الأصوات. ثم توقف ملفها في مجلس التعليم العالي، الذي أعاد الوزير الأسبق أكرم شهيب هيكلته وتغيير بعض أعضائه. وأرسل شهيب لجنة للكشف على الجامعة. وكان التقرير الذي أعدته بالغ الخطورة. وطلب المجلس من الوزير إقفال الجامعة. لكن الوزير استمهل المجلس ثلاثة أشهر، وفق ما ينص القانون، الذي يفرض توجيه رسالة انذار للجامعة، قبل اتخاذ قرار الإقفال. وطلب شهيب إنذارها رغم أنه كان مقتنعاً أنه يجب أن تُقفل. خصوصاً أن التقرير الذي أعده اتحاد المهندسين العرب كان أقسى من التقرير الذي أعده مجلس التعليم العالي بحق الجامعة. ما يعني أن سمعتها العربية باتت سيئة. وكان يجب إقفالها كي لا تضر بسمعة جامعات لبنان.

فضائح الشهادات
إحدى اللجان التي كشفت على الجامعة، اكتشفتْ أن أحد الخريجين كان في السجن، وحصل على شهادة هندسة حتى من دون الحضور ليوم واحد إلى الجامعة. وبالكشف على الشهادات تبين أن معظم الطلاب لم يتلقوا دروسهم كما يجب، وأن بعضهم لا يملك حتى المقومات الدنيا ليكون طالباً جامعياً قبل أن يصبح مهندساً. وتبين أن معظم الطلاب لم يدرسوا في الجامعة، بل تنقلوا بين جامعات متعددة وانتهى بهم المطاف فيها، وحصلوا على الشهادات. وكل طالب كانت مخصصة له محاضرات مختلفة عن الطالب الآخر، ومعادلات للمواد كيفما اتفق. وبالكشف على مشاريع التخرج التي أعدها الطلاب، وجدت اللجنة فضائح كبرى. فقد تبين من خلال امتحان بعض الطلاب أنهم لا يعرفون مشاريع التخرج التي حصلوا بموجبها على شهادة الهندسة. هذا فضلاً عن أن الجامعة خصصت العديد من الوحدات التعليمية (الكريديت) لمواد لغات وخلافها، كي يحصل الطلاب على الوحدات المطلوبة للتخرج، ولا علاقة لها بالهندسة.

الوزير يرفض
اعدت اللجان التقرير اللازم، وأرسلته إلى مجلس التعليم العالي، الذي قرر بالإجماع امتحان طلاب كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية، لتلافي هذه الفضيحة التي من شأنها تشويه سمعة الجامعات في لبنان، خصوصاً في ظل التقرير الشديد السلبية لاتحاد المهندسين العرب عن هذه الجامعة. وعليه، تقرر امتحان الطلاب مجدداً، ومن يستحق منهم الشهادة يكون مؤهلاً للدخول إلى نقابة المهندسين، ومن هو غير مستحق عليه، إعادة الدروس والتخرج من جديد. وحصل الاتفاق بين الجامعة اللبنانية وعميد تلك الكلية. وكانت الأمور تسير بشكل معتاد. لكن منذ أيام عدة رفض وزير التربية طارق المجذوب هذا القرار الصادر عن مجلس التعليم العالي، لأسباب غير معروفة. تقول المصادر إنه مجرد نكايات بين الوزير وبعض أعضاء المجلس ليس أكثر. ما يعني أن الوزير أباح لنقابة المهندسين قبول شهادات أولئك الطلاب والدخول إلى النقابة.

نقابة الشمال توافق
نقيب المهندسين في الشمال بهاء حرب أكد لـ”المدن” أن النقابة ستأخذ بقرار الوزير، أي إدخال حملة الشهادات من هذه الجامعة إلى النقابة. ولدى الاستفسار عن رفض مجلس التعليم العالي ملف هذه الجامعة، والقرار المتخذ بكامل الأعضاء بإلزام الطلاب بإجراء امتحانات في الجامعة اللبنانية، عاد وشدد على أن النقابة تأخذ بآخر قرار، أي قرار الوزير فقط.

لكن وفق القانونن لا يحق للنقابة في الشمال قبول أو رفض هؤلاء الطلاب.

فلجنة ممارسة مهنة الهندسة في وزارة التربية، والتي يرأسها وزير التربية ممثلاً بمدير عام التعليم العالي،

وفيها عضوية نقيب المهندسين في بيروت ومدير عام الأشغال، لها الكلمة الفصل.

وفي حال رفض نقيب المهندسين الأمر لا تستطيع وزارة الأشغال إعطاء الإذن،

وبالتالي لا يحق دخول الطلاب إلى النقابة. وسترفض النقابة هذا الملف حفاظاً على مهنة الهندسة كما لفتت مصادر “المدن”.

شل المجلس
ووفق مصادر “المدن”، كان هناك مسار في مجلس التعليم العالي سيء للغاية

. قبل مجيء شهيب وإعادة الهيكلة، كانت كل موقبات التعليم العالي تمرر بالواسطة والمحاباة. وتم تأسيس جامعات وفق مبدأ التقاسم الطائفي،

من دون أي معيار علمي وأكاديمي. بعد أن أعاد شهيب هيكلة المجلس،

بات أفضل مجلس مرّ على الوزارة. فقد وضع خطة إصلاحية لوقف كل التجاوزات التي حصلت في ملف التعليم العالي.

وكل التقارير التي صدرت بحق العديد من الجامعات تثبت ذلك. لكن بعد خروج شهيب،

حصلت جامعات عدة على تراخيص ومراسيم من مجلس الوزراء من دون الأخذ برأي المجلس. وعلى سبيل المثال،

تقول المصادر، المجلس طلب إقفال كافة فروع “الجامعة اللبنانية الدولية” غير المرخصة.

لكن تم تمرير ملفاتها في مجلس الوزراء. هذا فضلاً عن أن المجلس في عهد الوزير المجذوب

لم يجتمع إلا خمس مرات منذ توليه الوزارة، فيما المطلوب من المجلس الاجتماع أربع مرات في الشهر.

ولسبب ما شلَّ المجذوب المجلسَ، رغم إبلاغه حين تعيينه أن المجلس وضع خطة إصلاحية للكشف

على كل جامعة من جديد، كي يصار إلى سحب الرخص من تلك التي لا تستحق.

وعن تجاوزات الوزراء ومجلس الوزراء لقرارات مجلس التعليم العالي،

على نحو غير منطقي، طالما أن المجلس له الرأي الأول في تأسيس أي جامعة، تكتفي المصادر بالقول:

نحن في أي دولة نعيش؟ نحن في ظل دولة عصابة بكل معنى الكلمة. تجارة ومحاصصة

طائفية وسياسية وجهل في إدارة ملف التعليم العالي.

Exit mobile version