سارة ناصر – اساس ميديا
منذ وقوع الانفجار الذي هزّ مرفأ بيروت في آب 2020، والذي اعتُبِرَ أحد أكبر الانفجارات ذات الطبيعة غير النووية في التاريخ، لم تتوقّف التحقيقات الصحافيّة التي تبحث عمّا وراء الانفجار، من المصنع الذي سلّم نيترات الأمونيوم، إلى الشركة المالكة للموادّ المتفجّرة، وصولاً إلى السفينة التي أقلّت الحمولة، وسائقها، ووجهتها الأساسيّة، ومَن خزّنها بطريقة غير مناسبة، وكميّة النيترات التي انفجرت، والمسؤولين الحقيقيّين عن هذه الكارثة، وغيرها من الأسئلة.
المعلومات التي كُشِفَت من قبل تفيد أنّ الشركة، التي تبيع الموادّ الكيمياوية التي انفجرت في المرفأ، مُسجّلة في المملكة المتّحدة، وقد انفجرت كميّة نيترات الأمونيوم في مرفأ العاصمة اللبنانية الحيويّ، بعدما كانت بالأصل مشحونة من جورجيا إلى شركة في الموزمبيق. لكنّ سفينة “روسوس” القديمة، التي كانت تنقل الشحنة، توقّفت في المياه اللبنانية، وجرى تفريغ المادة الكيمياوية في عام 2014 في مرفأ بيروت.
هذه المعلومات كانت قد نشرتها صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، لافتةً إلى أنّ عدداً من المحامين، بقيادة وزير العمل السابق كميل أبو سليمان ومكتب المحاماة “ديكرت”، تقدّموا بدعوى قضائية أمام المحكمة العليا في لندن ضد شركة “سافارو” للاشتباه في دورها في الانفجار، إذ “لم تنجح في تخزين كميّة نيترات الأمونيوم بشكل جيّد أو لعدم تخلّصها من مئات الأطنان من المادّة الكيمياوية التي انفجرت”. وتُقدَّر قيمة الأضرار التي ألحقها الانفجار بالعاصمة اللبنانية بأربعة مليارات دولار.
والجدير ذكره أنّه في الذكرى السنويّة الأولى لانفجار الرابع من آب، جرى تعيين مدير جديد لـ”سافارو”، وهو المحامي الأوكراني فولوديمير هليادشينكو، الذي أعلن أنّه “استحوذ على ملكيّة الشركة”.
إذاً ما الجديد؟
بعد الإجابة عن الكثير من الأسئلة عن مصدر الشحنة ووجهتها، انشغل كثيرون بالتساؤل عن المالك الحقيقي لشحنة الموت، وتكشّفت خيوط الحقيقة في تحقيق استقصائيّ لـ”مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظّمة والفساد”، عاينَ خلاله الصحافيون الذين أعدّوه سلسلة من الوثائق، وخلصوا إلى كشف شبكة تتاجر بالموادّ الكيمياويّة أُنشِئت منذ عقود، ويسيطر عليها أشخاص من الجنسيّة الأوكرانيّة، وتتستّر وراء ما لا يقلّ عن ستة أسماء تجارية وعدد من الشركات الوهميّة. وفي هذا الإطار، شكّل البحث عن مالك “سافارو” تحدّياً، حيثُ يتمّ إخفاء المساهمين الحقيقيين للشركة خلف مديرين وأسماء مساهمين آخرين.
بالعودة إلى البداية، توجّهت أصابع الاتهام نحو رجل أعمال أوكراني يُدعى فولوديمير فيربونول كان يمتلك شركة تحمل الاسم نفسه في مدينة دنيبرو الأوكرانية، لكن سرعان ما تراجعَ الاهتمام باتّباعه مع نفي صلته بتلك الشحنة التي توجّهت إلى بيروت. لكنّ التحقيق الاستقصائي الذي نُشِرت نتائجه حديثاً، أثبتَ العكس وتوصّل إلى أنّ فيربونول هو مَن يقف وراء “سافارو”، وهي الشركة التي تبيّن أيضاً أنّها تشكّل جزءاً من شبكة أعمال كبيرة تتاجر في نيترات الأمونيوم من الفئة التقنية، أي أنّها من النوع الذي يتمّ استخدامه في صناعة المتفجّرات.
ويقع مقرّ الشركات التي يملكها ويديرها عدد من رجال الأعمال الأوكرانيين، من بينهم فيربونول، ورجل الأعمال البارز في مجال الإنشاءات ميكولا أليسينكو، في دنيبرو. إلا أنّ الشبكة تخفّت تحت ستار أسماء تجارية وشركات وهمية، ولها شركات تعمل في إنكلترا واسكتلندا ومنطقة البحر الكاريبي وأوكرانيا وجنوب المحيط الهادئ والولايات المتحدة. ومن المعلومات التي كشفها التحقيق، أنّ الشبكة باعت موادّ كيمياويّة إلى دول إفريقية منذ بداية الألفيّة، وأرسلت ثلاث شحنات أخرى من نيترات الأمونيوم، على الأقلّ، إلى الموزمبيق في عام 2013. وتواصل أيضاً تسويق البضائع، ومن ضمنها الأسمدة. في الوقت نفسه ساهمت شركة Interstatus ، التي مقرّها قبرص، ومجموعة ألفا وأوميغا في المملكة المتحدة، في تسهيل عمليّات الشبكة لسنوات.
وتكشف تعقيدات الشبكة الأساليب التي تتّبعها عادةً في الشحن والتجارة الدولية بهدف إخفاء الملكية، وهو الأمر الذي يجده بعض الخبراء “محاولة متعمّدة للتهرّب من المسؤولية، وتسهيل الممارسات الإجرامية أو غيرها من الممارسات التجارية المخادِعة”.
كلّ ما ذُكِرَ آنفاً يختصر الصورة الكاملة للأشخاص والشركات الذين يتلطّون وراء شحنة النيترات التي فجّرت مرفأ بيروت، والتي ستتّضح آثارها القانونية أيضاً، بعدما رفع محامون دعوى قضائية ضدّ “سافارو” في المملكة المتحدة، مطالبين بتعويضات لأهالي الضحايا.
في هذا السياق، علّق المحلّل في “ذا دوكيت” مارك تايلور بالقول إنّ “شركة سافارو والأشخاص الذين يديرونها يتحمّلون مسؤولية تخزين شحناتهم بشكل جيّد، وعدم تشكيلها أيّ خطر على حياة الناس”.
من جانبها، دافعت الشركات الأوكرانية عن كياناتها ومديريها، بعد ما توصّل إليه التحقيق من المعلومات، نافيةً تورّطها في شحنة “روسوس”، محمِّلةً السلطات اللبنانية مسؤولية انفجار المرفأ. ولفتت إلى أنّ مجال عملها هو تكنولوجيا المعلومات، أي إنتاج البرمجيّات والتسويق عبر الإنترنت، وأنّ أيّ إعلان نُشِر عبر الإنترت للترويج لسلع مثل الأسمدة، كان يتمّ “نيابة عن عملائهم، وقام بنشره موظّفون ومتدرّبون ربّما لم يُدركوا أنّ الشركة تعمل نيابة عن الشركات المصنّعة”.