المصدر: لبنان 24
من دون أدنى شك، شكّلت مشهدية الدخول المتواصل لقوافل المازوت الإيراني إلى لبنان انعطافة جديدة بالنسبة لـ”حزب الله“، على الصعيدين السياسي والشعبي. وبشكل فعلي، فإنّ هذا المازوت الذي سيُباع بالليرة اللبنانية سيدخل المنافسة تلقائياً مع المازوت الذي سيُباع في محطات الوقود بالدولار الأميركي. وحتماً، فإن الفارق بالسعر سيكون شاسعاً، وتقول مصادر مقربة من “حزب الله” لـ”لبنان24″ أن قيمة صفيحة المازوت التي سيبيعها الحزب قد تتراوح بين 4 و 6 دولارات أي أقل من نصف قيمة صفيحة المازوت التي تبيعها الدولة، والتي يصل سعرها إلى 11 دولاراً.
ورغم أن الدولة خالفت قانون النقد والتسليف بشأن التسعير بالدولار، فإنّ “حزب الله” لم يدفع أيضاً رسوماً جمركية عند إدخاله المازوت، والأمر هذا محسوم لأنه في حال حصوله، ستعتبرُ شحنات المازوت “شرعية” في سجلات الدولة، الأمر الذي سيعرضها لعقوبات سريعة. كذلك، فإنّ الحكومة السورية ستتكفل بشكل كامل بتكاليف النقل من مصفاة بانياس إلى لبنان وذلك بالاتفاق مع “حزب الله“. ووفقاً لمعلومات “لبنان24″، فإنّ حمولة الباخرة الأولى هي لـ750 صهريجاً وتبلغ سعة كل واحد 50 ألف ليتراً، ومن المتوقع أن تصل الباخرة الثانية خلال أيام.
استمالة للشارع؟
وبعيداً عن لعبة الأرقام والتشريعات، فقد يرى البعض أن ما يقوم به “حزب الله” سيُساهم حكماً في استمالة الشارع نحوه، أقله في المرحلة الحالية، وهو أمرٌ يريده بالدرجة الأولى. فوسط عجز الدولة عن توفير المحروقات للناس بالشكل المطلوب، ومع السعر المرتفع للمازوت الذي يعتبر حيوياً، فإنّ أوساط الحزب ترى أنه سيكون “قِبلة” الكثيرين من مختلف المناطق للتزود بالمازوت، وقد بات هذا الأمرُ يبرز في الأوساط الشعبية المناوئة له. وواقعياً، فقد بدأ كلام يبرز بشكل كبير عن أن “حزب الله” استطاع توفير المازوت بسعر منخفض في وقتٍ لم تستطع الدولة القيام بذلك. كذلك، لوحظ لدى الكثيرين استعداد كبير لشراء المازوت الإيراني نظراً لتكلفته المتدنية ولتوفره بشكل سريع ومُنظّم.
وعلى سبيل المثال، فإنه خلال الساعات الماضية، وصلت قوافل المازوت إلى مناطق غير تابعة سياسياً لـ”حزب الله“، مثل إقليم الخروب المعروف بانتمائه السياسي لـ”تيار المستقبل” و “الحزب التقدمي الإشتراكي”. وهناك، جرى تفريغ الحمولة في محطة “الأمانة” عند الأوتوستراد الساحلي الذي يعتبرُ نقطة أساسية للاحتجاجات في الماضي. كذلك، فإن المناطق المسيحية بإمكانها الحصول على المازوت الإيراني في حال أراد السكان ذلك، وقد توفرت الآلية لتزويدهم بتلك المادة الحيوية. ومع هذا، كشفت معلومات “لبنان24” عن صدور توجيهات داخلية في الحزب من قبل الأمين العام السيد حسن نصرالله تشيرُ إلى وضع مناطق طرابلس وعكار في صدارة الأولويات، ووجوب تلبية المنشآت هناك التي تطلب المازوت قبل البقاع.
وواقعياً، تعتقد أوساط “حزب الله” أيضاً أنّ قرار عدم حصر المازوت بمناطقه سيلقى قبولاً شعبياً أيضاً، في حين أن الآلية المعتمدة للتوزيع قد تكون أكثر تنظيماً من الآلية التي تعتمدها الدولة خصوصاً في الأزمة الحالية.
وفي المقابل، فإنّ شريحة واسعة من الناس ترى أن ما يقوم به “حزب الله” يندرج في إطار توسّعي ولا يخدم
سوى مصالح سياسية وانتخابية وديموغرافية ستبرز لاحقاً مع السنوات القادمة. وبشكل أو بآخر، فإنّ الكثيرين
يعتبرون أن المازوت الذي دخل إلى لبنان هو مقابل المازوت الذي يُتّهم “حزب الله” بتهريبه إلى سوريا،
في حين أنّ البعض يرى أن كلام “حزب الله” عن كسر الحصار ليس إلا شعارات لا أساس لها،
لأن لبنان غير ممنوع من استيراد النفط واستقدام البواخر والمشكلة تتعلق بالسيولة فقط.
واليوم، فإن العبرة بالتنفيذ بالدرجة الأولى، خصوصاً بالنسبة للمؤسسات الخاصة التي قد لا تبادر للاعلان
عن حصولها على المازوت الإيراني، مثل المستشفيات ودور الرعاية وغيرها. وحتماً،
قد تخشى تلك المؤسسات أي علامات استفهام بشأنها،
في حين أنه من المفترض أن تكون قاعدة البيانات الخاصة بعمليات توزيع المازوت لدى “حزب الله“، خاضعة لسرية معينة لن يتم الاعلان عنها.
كذلك، فإن هناك مشكلة تتعلق بالأفراد وأصحاب المنشآت الحيوية في مناطق مناوئة لـ”حزب الله“.
وبشكل أو بآخر، قد يشعر هؤلاء بـ”الحرج” في حال تمت معرفة أمر استقدامهم للمازوت الإيراني،
وقد يجري تصوير أنهم قبلوا بنفوذ الحزب. إلا أن الحُجة حالياً قد تكون اقتصادية،
والمهرب من المساءلة قد يكون في عدم وجود قدرة على شراء المازوت الذي توفره المحطات وذلك بسبب سعره المرتفع.
ماذا عن الاستمرارية؟
ووسط كل ذلك، فإن عدم قدرة الدولة على دعم المحروقات وشح السيولة للدفع للشركات،
جعل الحزب يبرز كقوة مالية أخرى يمكنها تأمين المحروقات للناس، ولكن السؤال يرتبط باستمرارية ذلك،
وإلى أي مدى سيواصل “حزب الله” استجرار المازوت إلى لبنان بهذه الطريقة التي لم تعرض لبنان لعقوبات.
وفي هذا الإطار، تقول مصادر مقربة من “حزب الله” لـ”لبنان24″ إن “الحزب مستمر باستقدام البواخر النفطية
طالما الأزمة قائمة”، موضحة أنه “قيادة حزب الله لن تتراجع حالياً عن هذا الخيار
في حين أن الدولة عاجزة عن تأمين المازوت بالشكل المطلوب، كما أن القدرة الشرائية للمواطنين لا تسمح لهم بشراء المازوت بسعر باهظ”.
وهنا، فإن بقاء الحزب على هذا الطريق سيساهم في تعزيز نفوذه الشعبي،
وهو أمرٌ تخشاه الولايات المتحدة بالدرجة الأولى. وكما بات معروفاً، فإن ما حصل على صعيد المازوت
دفع الإدارة الأميركية أكثر لتقديم تسهيلات للبنان لاستصلاح الكهرباء بشكل أساسي،
خصوصاً أن الطلب على المازوت ازداد بسبب عجز “كهرباء لبنان”
عن توليد الطاقة الكهربائية للمواطنين. وبشكل واضح، فإن النفط العراقي واستجرار الكهرباء عبر الأردن
وحصول لبنان على الغاز المصري، كلها عوامل قد تساهم في جعل لبنان يحظى بقدرة كهربائية معينة. وعملياً،
فإنّ لبنان مع كل هذه التسهيلات “الكهربائية” لن يحصل على أكثر من 12 ساعة من الطاقة
، الأمر الذي لن ينفي الحاجة إلى المازوت للمولدات، مع العلم أن شبكة كهرباء لبنان ستساهم
في إضاعة الطاقة التي سيجري تحميلها عليها وذلك بسبب اهترائها الشديد.