المصدر: لبنان الكبير
تخوض الحكومة الجديدة اليوم معركة حاسمةً من أجل إثبات قدرتها على المضي قدماً في إجراء الإصلاحات المطلوبة، وهي أمام فترة اختبار جدي لاستعادة الثقة داخلياً وخارجياً. فخطوة تشكيلها لن تكون حلاً جذرياً وقاطعاً لأزمات لبنان إن لم تترافق مع نية سياسية صادقة للإصلاح، بل هي خطوة أولى في رحلة الألف ميل التي تنتظرها.
في تقرير لمعهد التمويل الدولي حمل عنوان “لبنان: تفاؤل حَذِر مقابل تحديات رهيبة”، شكّك المعهد في إمكان التوصّل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي لانتشال الاقتصاد من أزمته الحالية، مشيراً إلى أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي قد تفشل في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمالية الأساسية لأنّ أكثر من نصف الوزراء يُدينون بمواقفهم لانتماءاتهم السياسية التي قد تمنع تنفيذ الإصلاحات المطلوبة. وتوقع انكماش الاقتصاد بنحو 8 في المئة عام 2021 مقارنة بـ26 في المئة عام 2020، بحيث أدى هذا الانكماش، إلى جانب انخفاض سعر الصرف بنسبة 90 في المئة في السوق الموازية، إلى تقليص الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بأكثر من النصف، بناءً على متوسط سعر الصرف المرجّح من قبل المعهد. كما انخفضت الأجور بشكل حاد،
بعد أن سبّب انخفاض سعر الصرف الموازي في تسارع التضخم إلى 123 في المئة في تموز،
ومن المتوقع أن يرتفع إلى 229 في المئة على أساس سنوي نهاية العام الجاري. كذلك، انخفضت الواردات بأكثر من 60 في المئة بالدولار خلال الـ18 شهراً الماضية.
أشار التقرير إلى ان صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومانحين رسميين آخرين لم يقدموا الدعم المالي للبنان
بسبب الفشل المتكرر للطبقة السياسية في تنفيذ إصلاحات حاسمة كإجراء تدقيق كامل لحسابات
البنك المركزي والمؤسسات العامة لتحسين الشفافية والمساءلة، واعتماد تشريعات لإضفاء الطابع الرسمي على ضوابط رأس المال،
وضمان استقلالية الهيئة القضائية للحد من الفساد وتحسين المساءلة،
وتوحيد أسعار الصرف المتعددة، وإصلاح مؤسسة كهرباء لبنان والقضاء على الخسائر الناتجة عنها،
وتحقيق فائض مالي أولي كبير ابتداءً من عام 2022 لوضع الدين الحكومي على مسار هبوطي ثابت،
وإعادة هيكلة النظام المالي، والذي سيشمل إعادة الرسملة ودمج البنوك،
وإنشاء شبكة أمان اجتماعي موسّعة لحماية الأشخاص الأكثر ضعفاً.
واعتبر معهد التمويل أن وضع برنامج إصلاحي شامل لمعالجة الاختلالات الاقتصادية
الكلية والاختناقات الهيكلية هو أمر ضروري. وعلى الرغم من أنه تم إعداد مثل هذا البرنامج الاقتصادي أيام حكومة
حسان دياب في نيسان 2020، إلا أن إطار الاقتصاد الكلي وإعادة الهيكلة المقترحة للميزانيات العمومية للمصارف التجارية ومصرف لبنان،
بما في ذلك توزيع الخسائر، بحاجة إلى إعادة النظر بحيث يجب التوصل إلى اتفاق
بشأن الأرقام بين القطاع المالي الممثّل بمصرف لبنان وبين الحكومة الجديدة، قبل استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
ومع رفع الدعم المتوقع عن المحروقات، وإذا فشلت الحكومة الجديدة في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة
والاتفاق على برنامج لصندوق النقد الدولي قبل نهاية هذا العام، توقع المعهد تواصل انخفاض سعر صرف الليرة
إلى ما يزيد عن 25 ألف ليرة لبنانية أي 16 ضعفاً للسعر الرسمي،
مما سيؤدي إلى تضخم أعلى بكثير عام 2022. وأعدّ المعهد سيناريوهين للمرحلة المقبلة:
1 – السيناريو المتفائل (احتمال حصوله بنسبة 50 في المئة):
يفترض أن يُسمح للحكومة الجديدة بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية العاجلة التي سيقرّها البرلمان بالكامل،
والتي ستؤدي إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي قبل نهاية هذا العام وتسهيل الوصول
إلى المساعدات الإضافية. في هذه الحالة، يمكن أن يبدأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي
في التعافي إلى حوالي 4 في المئة عام 2022، ويمكن أن يقابل الضغط التضخمي الناتج
عن التخفيضات في دعم السلع الأساسية، بارتفاع كبير في سعر الصرف الموازي.
وبموجب هذا السيناريو، توقّع المعهد انخفاض متوسط معدل التضخم من 165 في المئة عام 2021 إلى 131 في المئة عام 2022،
وانخفاض عجز الحساب الجاري الذي تقلص بنحو 11.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2020 مدعوماً بانخفاض
الواردات بنسبة 40 في المئة، إلى 8.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2022 و6.4 في المئة بحلول عام 2025.
كما سيتحسّن الرصيد المالي الأولي، إذ يتحول من عجز يبلغ 1.6 في المئة من الناتج
المحلي الإجمالي عام 2021 إلى فائض بنسبة 0.7 في المئة عام 2022،
والذي سيستمر في التحسن إلى فائض بنسبة 4.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2025.
2 – السيناريو المتشائم (فرصة حدوثه بنسبة 50 في المئة): يفترض إجراء إصلاحات جزئية أو استقالة الحكومة،
وعدم وجود اتفاق مع صندوق النقد الدولي، ونقص في التمويل الخارجي الكافي.
وفي ظل هذا السيناريو، سينكمش الاقتصاد اللبناني مرة أخرى، وسينخفض سعر الصرف الموازي.
وعن قدرة برنامج صندوق النقد الدولي على وضع الدين العام المرتفع على مسار هبوطي ثابت،
يرجح معهد التمويل بأن يُرافق تطبيق برنامج الصندوق مزيجاً من إعادة الجدولة والهيكلة بعد تخلّف لبنان
عن سداد ديونه الخارجية. ومع إجراء حزمة من الإصلاحات المالية،
يمكن تخفيض نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي
من 302 في المئة عام 2021 إلى 119 في المئة عام 2022 و83 في المئة عام 2025. وحسب التقرير،
سيحدث معظم الانخفاض عام 2022 بعد إعادة الهيكلة وشطب جزء من الدين الحكومي المقوّم بالعملة الأجنبية،
على أن تكون استعادة عافية النظام المصرفي عملية طويلة ولا سيما أن الثقة في النظام المصرفي
تأثرت بشدة وتحتاج إلى وقت للتعافي. كما أن العديد من المصارف ستحتاج إلى التصفية،
يتبعها عملية دمج لعدد قليل من تلك التي تملك محفظة كبيرة من الديون غير السائلة.