بقلم كبريال مراد – mtv
يستمر النزاع الحدودي البحري اللبناني الاسرائيلي، على وقع توقّف الجولات التفاوضية، في الوقت الذي تستغل اسرائيل الظرف لتأمين مصالها والاسراع بالأعمال في حقل كاريش، بموازاة اعتمادها سياسة المماطلة وكسب الوقت. فهل يواصل لبنان بدوره التفنن باضاعة الوقت؟
ولفهم ما يحصل اليوم، من المهم العودة بالتسلسل الكرونولوجي للأحداث في ما خص حقل كاريش والخطين 23 و29. فقد حصلت مسوحات زلزالية قام بها العدو الاسرائيلي بيّنت له وجود حقل كاريش في العام 2010. وأول بئر حفره كان في العام 2013، وبدأ تطوير الحقل في العام 2015. ووجد مخزوناً جديداً في كاريش الشمالي في العام 2018، وصولاً الى تلزيمه تطوير الحقل الى الشركة اليونانية “إنيرجين”، التي وقّعت عقداً تطويرياً مع الشركة الأميركية “هاليبرتون”.
أما في الجانب اللبناني، فالمرسوم 6433 صدر في العام 2011، ونصّ على النقطة 23. ولو أن لبنان أخذ منذ ذلك الحين برأي “المكتب الهيدروغرافي البريطاني للبحار” (UKHO) الذي تم تجاهله ولم يعرض على مجلس الوزراء، لما كنا أمام مشكلة حقل كاريش وتطوير العدو الاسرائيلي له، لا بل كنا في وضعية مختلفة تماماً من ناحية التفاوض وتطوير حقولنا وحماية حقوقنا البحرية، اذ نصّ على النقطة 29.
ويؤكد الخبير بشؤون النفط الدكتور شربل سكاف أن “بداية تصحيح الخطأ تبدأ باصدار تعديل المرسوم 6433، لننطلق من بعدها الى تحصيل الحد الأقصى من حقوق لبنان”.
ويشرح سكاف “ان الخط 29 يستند الى القانون الدولي، والاحتكام الى مرجعية القانون الدولي والقضاء الدولي لا بدّ منه وليس خياراً، خصوصاً ان المفاوضات تتم تحت رعاية الأمم المتحدة”.
ويفنّد سكاف المواد القانونية الدولية، بدءاً من:
* المادة 15 التي تنص على اعتماد الخط الوسط، مع الأخذ بالاعتبار الظروف البحرية الخاصة للمنطقة، أي الجزر المأهولة او غير المأهولة والنتوءات البحرية.
*المادة 121 التي تنص على عدم أخذ الجرز غير المأهولة بالاعتبار. وهذا حال جزيرة تخيلت التي يرفض لبنان اعطاءها أي وزن حتى لا تؤثر على تحديد حدود المنطقة الجنوبية الخالصة اللبنانية.
*المادة 74 التي تنصّ على التوصل الى الحلول المنصفة، ما يعني للبنان اعتماد الخط 29، حتى لا يخسر 1800 كم. خصوصاً أن هذا الخط ينطلق من خط الناقورة التي هي نقطة الحدود بين لبنان وفلسطين، كما أكد عليها “المكتب الهيدروغرافي البريطاني للبحار”، وكما أثبتته أن هيدروغرافيا الجيش اللبناني.
ماذا بعد؟ يؤكد سكاف أن “المطلوب تعديل المرسوم للضغط على الدولة العبرية لأن مصالحها مؤمنة حالياً من دون التفاوض، فهي تطوّر حقل كاريش وتمد انابيب من البحر الى البر، وتسرّع استقدام السفينة الآتية من سينغافورة وستبدأ العمل في الشهرين المقبلين، اضافة الى توقيع العقد مع “هاليبرتون”.
ذلك كلّه يقود الى القول إن الكرة في ملعب الحكومة. لاسيما أن تعديل المرسوم يحوّل المنطقة الى منطقة نزاع، ما يزيد المخاطر المالية والائتمانية والتشغيلية والأمنية على الشركات المنقبة في الجانب الاسرائيلي، “وهو ما يعني، إما خروج المستثمر من هذه العملية للحد من خسائره، او الضغط على اسرائيل لحل المشكلات القائمة مع الدولة اللبنانية. اضافة الى أنه يحق للبنان عندها أن يوجّه انذاراً لهذه الشركات، وأن يلجأ الى محكمة البحار”، وفق سكاف.
وما لا يجب اغفاله أيضاً، هو أن التصنيف الائتماني للشركة اليونانية “إنيرجين” قد خفّض من ايجابي الى سلبي، وأي ضغط عليها سيعني زيادة في المخاطر، ما يضطرها الى أمر من إثنين، إمّا الضغط على اسرائيل للتفاوض، او توسيط الوسيط الأميركي لايجاد الحل المنصف للمشكل الحدودي مع لبنان”.
نقطة أخرى مهمّة يجب استغلالها، وهي أن أمام الاسرائيلي استحقاق اساسي وهو بدء الانتاج الفعلي من حقل كاريش، وهو ما يجب أن يستخدمه لبنان لتحويله الى ورقة ضغط.
أمام هذه المعطيات، يرى سكاف أن “لبنان يرتكب جريمة بإضاعة الوقت، وأن تعديل المرسوم 6433 يجب أن يحصل فوراً، للضغط على الجانب الاسرائيلي وجرّه للتفاوض، وتأمين كل نقاط القوة للبنان واللجوء الى كل الوسائل التي تحفظ حقوقه”.